“أزمة الثقة تتصاعد بين البرلمان والمصرف المركزي.. ليبيا على مفترق شفافية مالية وحوكمة غائبة”

“أزمة الثقة تتصاعد بين البرلمان والمصرف المركزي.. ليبيا على مفترق شفافية مالية وحوكمة غائبة”

رندة نبيل رفعت

في مشهد سياسي واقتصادي محتدم، شهدت جلسة مجلس النواب الليبي الأخيرة تصاعدًا لحدة النقاشات بين النواب، وسط مطالبات بمساءلة محافظ مصرف ليبيا المركزي حول أزمة السيولة، وضريبة النقد الأجنبي، وتضارب البيانات المالية التي تعكس حالة من غياب التنسيق بين السلطات المالية والتشريعية في البلاد.

🔹 البرلمان يرفض مناقشة الضريبة ويستدعي المحافظ

صوّت مجلس النواب على رفض مناقشة ملف إلغاء الضريبة المفروضة على النقد الأجنبي خلال جلسته المقبلة، مع الموافقة على مناقشة ملف إعادة تشكيل وتعيين المناصب السيادية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة لإعادة ضبط التوازن المؤسسي وتأكيد سلطة البرلمان على المؤسسات المالية.

كما قرر المجلس استدعاء محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه في الجلسة القادمة لاستجوابهما حول البيان المالي الأخير وأزمة السيولة، في ظل تزايد الانتقادات الموجهة لأداء المصرف المركزي واتهامات بـ”غياب الشفافية” و”الانفراد بالقرارات الاقتصادية”.

🔹 تصعيد قضائي يعقّد المشهد

بالتوازي مع ذلك، أصدرت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف بنغازي حكمين يقضيان بعدم اختصاصها في النظر بطعون مقدّمة من عقيلة صالح وأسامة حماد ضد مراسيم المجلس الرئاسي، أحدها يتعلق بوقف آثار قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، والآخر بانتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية.


ويرى قانونيون أن هذه الأحكام تؤكد استمرار الانسداد القانوني والسياسي بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية، ما ينعكس سلبًا على الاستقرار المؤسسي في ليبيا.

🔹 نواب يهاجمون المصرف المركزي بشدة

خلال الجلسة، وجّه عدد من أعضاء مجلس النواب انتقادات حادة لمحافظ المصرف المركزي ناجي عيسى، حيث قال النائب سعيد امغيب إن “علينا أن نسأل أين ذهبت ضريبة العملة الأجنبية التي تقول تقارير إنها بلغت 40 مليار دينار؟”، متهمًا المصرف بانعدام التواصل مع البرلمان، ومحذرًا من “ظهور مشروع لصديق كبير جديد” في إشارة رمزية إلى مركزية القرار المالي في يد شخص واحد.

وأكد النائب محمد العباني أن المصرف المركزي يجب أن “يكون مطيعًا لمجلس النواب”، معتبرًا أن غياب المحافظ عن الجلسات نوع من الفساد المؤسسي، فيما شدّد النائب الصالحين عبد النبي على أن “العملة المطبوعة في شرق ليبيا شرعية وليست مزوّرة”، مطالبًا المصرف المركزي بتوضيح رسمي يُعيد الثقة بالعملة المحلية.

🔹 حقائق اقتصادية مثيرة للجدل

في المقابل، كشف النائب مصباح دومة أن ما أُنفق على الحكومة الليبية بلغ 67 مليار دينار، بينما صُرف لحكومة الدبيبة 171 مليارًا، بإجمالي 238 مليار دينار، متسائلًا عن جدوى هذا الإنفاق في ظل استمرار أزمة السيولة وتراجع الخدمات.


وأشار إلى أن المحافظ ناقش مع رئاسة مجلس النواب اقتراح إكمال السنة المالية الحالية بنظام 1/12، وهو ما يعكس غياب ميزانية واضحة للعام الجاري، ما يعمّق أزمة الثقة بين السلطتين.

🔹 قضايا جانبية تكشف خلل الأولويات

وفي سياق منفصل، أثارت وثيقة نشرها الإعلامي الحسن باكير جدلًا واسعًا، كشفت عن إنفاق أكثر من 7.3 مليون دينار على أوبريت “الحمد لله” ضمن فعالية “ليلة الحمد” في طرابلس، بينها 4.8 مليون لتنفيذ العرض و2.5 مليون لحملة ترويجية نفذتها فرق أجنبية.


هذه الأرقام اعتبرها محللون انعكاسًا لفوضى الإنفاق الحكومي في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة.

🔹 مواقف وتحليلات: ليبيا بين غياب المساءلة ومأزق الثقة

يرى المحلل السياسي عبدالله الدرسي أن تصاعد لهجة النواب ضد المصرف المركزي يعكس انقسامًا حادًا داخل مؤسسات الدولة حول إدارة الموارد المالية، مشيرًا إلى أن البرلمان يحاول “استعادة دوره الرقابي” بعد سنوات من ضعف السيطرة على القرار المالي.


أما الخبير الاقتصادي محمد شرف الدين فأكد أن غياب الشفافية في إدارة النقد الأجنبي وضريبة العملة ساهم في “تشويه السوق المالي” وخلق اقتصاد ظل متنامٍ يستفيد من فروقات الأسعار، معتبرًا أن الإصلاح يبدأ من توحيد السياسة النقدية بين طرابلس وبنغازي.

وفي قراءة سياسية، يرى المحلل عادل مفتاح أن استدعاء محافظ المصرف المركزي ليس مجرد إجراء رقابي، بل رسالة سياسية من البرلمان بأن السلطة المالية يجب ألا تكون فوق المساءلة، وأن أي تجاهل لهذا المسار قد يعيد المشهد إلى حالة الصدام المؤسسي المفتوح.

🔹 نحو مرحلة حاسمة

بين مطالبات النواب، وصمت المصرف المركزي، والأحكام القضائية التي عمّقت الجدل، تبقى الثقة بين مؤسسات الدولة الليبية في أدنى مستوياتها.


ويرى مراقبون أن جلسة البرلمان المقبلة ستكون محطة مفصلية في تحديد مسار العلاقة بين السلطتين، فإما أن تفتح الباب لمساءلة شفافة تعيد ضبط الإيقاع المالي للدولة، أو تؤسس لجولة جديدة من الاستقطاب السياسي والاقتصادي الذي يعمّق أزمات ليبيا المتراكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: