كتبت – رندة نبيل رفعت
عقب اختتام المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، أجرينا حوارًا خاصًا مع سعادة الشيخ الدكتور أحمد بن سعود السيابي، أمين عام الإفتاء بسلطنة عمان و من المؤسسي للأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء بالعالم ، الذي تحدث بصراحة غير مسبوقة عن أسرار الاعتدال العُماني، وسبل مواجهة التضليل الديني الرقمي، ودور الفتوى في نصرة القضية الفلسطينية، والتحديات الفقهية بين الأصالة والتجديد.
السؤال الأول:
سلطنة عمان معروفة تاريخيًا وحاضرًا بنهجها الديني المعتدل. كيف تحافظون على هذا النهج في زمن تصاعد التطرف الإلكتروني؟
أمين عام مكتب الإفتاء بسلطنة عُمان:
الاعتدال في سلطنة عمان ليس شعارًا، بل هو منهج متجذر في المجتمع والدولة. هناك سببان جوهريان لذلك:
1. الإنسان العُماني:
منذ قرون، عاش العُماني منفتحًا على شعوب وأعراق مختلفة. تاجر، سافر، حج واعتمر، واحتك بأناس يختلفون عنه لونًا ولغةً ودينًا. وصل إلى الضفة الغربية للمحيط الهندي وسواحل شرق أفريقيا، من الصومال شمالًا حتى موزمبيق وجزر القمر جنوبًا، حيث كان يُعرف ذلك الساحل بـ”الساحل العُماني”.
كذلك، أبحر إلى جنوب آسيا، وأرخبيل الملايو، والصين. من أوائل العمانيين الذين وصلوا إلى الصين أبو عبيدة عبدالله بن القاسم عام 133 هـ / 750 م، حيث أصبح رئيس الجالية العربية في غوانغتشو ولقبه الإمبراطور بـ”جنرال الأخلاق الطيبة”.
الإسلام وصل إلى جزر الملايو عبر التجار والدعاة العمانيين، ومن أبرزهم عبدالعزيز العُماني، الذي استقر في ملقا عام 1414م، وأنشأ “المسجد العُماني”. هذا مذكور في متحف العالم الملايو والعالم الإسلامي في ملقا. وقد أسلم على يده حاكم ملقا “باراميسوارا” الذي أصبح اسمه محمد إسكندرا شاه.
2. الدولة العُمانية:
منذ القدم، الدولة تبنت الاعتدال الديني والسياسي، دون تمييز مذهبي أو عرقي. في عُمان، يصلي الإباضي بجانب السني والشيعي في المسجد نفسه، ولكل فرد حرية ممارسة عبادته وفق مذهبه، بلا فرض أو إقصاء. لا يوجد في التاريخ العُماني حادثة مظلومية على أساس مذهبي أو ديني.
السؤال الثاني:
في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي، باتت هناك فتاوى ومقاطع مفبركة تُنسب للعلماء. ما خطتكم لحماية الناس من التضليل الديني الرقمي؟
أمين عام مكتب الإفتاء بعمان :
المسؤولية تبدأ من الجهة التي يُنسب إليها المحتوى، إذ يجب أن تسارع إلى النفي والتوضيح.
خذ مثالًا: الفيديو المفبرك لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي زُعم فيه أنه يدعو لمسيرات من الجامع الأزهر إلى معبر رفح. في الحقيقة، كان مقطعًا قديمًا من عام 2020 تم التلاعب به باستخدام تقنية Deepfake.
الأزهر الشريف تحرك بسرعة، نفى، وحذف الفيديو، واتخذ إجراءات قانونية.
هذه السرعة والوعي المجتمعي أساسيان، لأن الذكاء الاصطناعي أداة بيد الجميع، وقد تُستغل في التضليل ما لم نتعامل معها بحذر.
السؤال الثالث:
كيف ترون الدور الشرعي لمؤسسات الإفتاء في دعم صمود غزة أمام الحصار وطمس الهوية؟
أمين مكتب الأفتاء بسلطنة عُمان:
ما يحدث في غزة من إبادة وتجويع وقتل للأطفال والنساء والشيوخ، لم يشهد له التاريخ مثيلًا.
الموقف الشرعي واضح: نصرة المظلوم واجبة، وفلسطين قضية كل مسلم. الموقف العُماني — قيادةً وشعبًا — ثابت في دعم غزة. جلالة السلطان، ووزير الخارجية في المحافل الدولية، طالبوا بمحاسبة الاحتلال على جرائمه، والشعب العُماني بكل أطيافه يدعم القضية قلبًا وقالبًا.
السؤال الرابع:
ما أبرز التحديات الفقهية المعاصرة؟ وكيف توازنون بين الأصالة والتجديد؟
سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي :
الأصالة تقوم على الثوابت:
القرآن الكريم: من أنكر حرفًا مما أجمعت عليه الأمة خرج عن الإسلام.
السنة النبوية الصحيحة: كلام النبي ﷺ الثابت سندًا.
أما التجديد، فيتعلق بفهم النصوص. القرآن واحد، لكن التفاسير بالمئات، بل بالآلاف، نتيجة تعدد الفهوم والتأويلات الملتزمة بضوابط اللغة والرواية الصحيحة.
كما قال العالم الشيخ خميس الشخصي الفسطاطي في القرن 11 هـ: “هذه سنة على ضربين” — أي هناك سنة متفق عليها وسنة مختلف في فهمها. الثابت مقدس، والمتغير هو الفهم والتأويل، وهذه مرونة عظيمة في الشريعة.
ختام الحوار
أثبت فضيلتة أن الاعتدال العُماني ليس صدفة، بل حصيلة تاريخ طويل من التعايش، وأن مواجهة التضليل الرقمي تبدأ بالسرعة في النفي، وأن دعم فلسطين واجب شرعي لا يقبل التردد، وأن الشريعة تجمع بين الثبات في النصوص والمرونة في الفهم.