رندة نبيل رفعت
في خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة، وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة رسمية إلى جامعة الدول العربية وجميع الرؤساء والقادة العرب لعقد قمة روسية–عربية شاملة في موسكو، خلال شهر أكتوبر 2025. وتُعد هذه الدعوة الأولى من نوعها بهذا الشكل الواسع، ما يعكس تطلّع موسكو إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، وتقديم نفسها كوسيط ومُوازن في زمن التحولات الجيوسياسية الكبرى.
مصادر دبلوماسية مطّلعة أكدت أن القمة لن تقتصر على تعزيز التعاون الروسي–العربي، بل ستتضمن مبادرة روسية لحلحلة عدد من الخلافات العربية–العربية، خصوصاً تلك التي ما زالت تُلقي بظلالها على العمل العربي المشترك. ويتوقع أن تستضيف موسكو، على هامش القمة، لقاءات مغلقة تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين عدد من الدول التي شهدت علاقاتها توتراً خلال السنوات الماضية.
من المتوقع أن تتصدر جدول أعمال القمة الملفات التالية:
- الأزمة في غزة وما بعد الحرب، حيث تسعى روسيا إلى تقديم مبادرة “أمنية–سياسية” بديلة للمبادرات الغربية.
- الوضع في ليبيا وسوريا والسودان، في محاولة لتنسيق موقف عربي–روسي بشأن مستقبل هذه الدول ومسارات إعادة الإعمار.
- أمن الطاقة والغذاء، في ظل العقوبات الغربية على روسيا وأزمات الإمداد العالمية، حيث ستُطرح صفقات تبادل استراتيجي بين روسيا ودول الخليج ومصر.
- الاتفاقيات الدفاعية والتكنولوجية، عبر توقيع عدد من مذكرات التفاهم في المجالات العسكرية والفضائية والطاقة النووية السلمية.
- ملف التكتلات الدولية: كاحتمالية انضمام دول عربية إضافية إلى مجموعة “بريكس”، برعاية روسية مباشرة.
يُنظر إلى القمة على أنها جزء من سياسة روسية متقدمة لملء الفراغ الذي تتركه سياسات الانكفاء الأمريكي، ولتثبيت نفوذها في عالم يتجه نحو التعددية القطبية. ويرى مراقبون أن موسكو لا تسعى فقط إلى توسيع دائرة مصالحها في المنطقة، بل إلى تقديم نفسها كـ”قوة توازن” مقابل الضغط الغربي والأمريكي على عدد من الدول العربية.
في المقابل، تنظر العديد من العواصم العربية إلى روسيا باعتبارها شريكًا استراتيجيًا يمكن أن:
- يدعم مواقفها في المحافل الدولية دون شروط سياسية.
- يوفر التكنولوجيا العسكرية والطاقة بأسعار أقل ومرونة سياسية.
- يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية بعيداً عن القيود الغربية.
قمة موسكو المرتقبة في أكتوبر 2025 لن تكون مجرد حدث بروتوكولي، بل منصة لإعادة ترتيب العلاقات العربية–الروسية، وإعادة بناء النظام الإقليمي على أسس جديدة.
ما إذا كانت هذه القمة ستنجح في تحقيق اختراقات حقيقية في الملفات العالقة، أو ستكون مجرد تحرك رمزي في لعبة الأمم الكبرى، سيعتمد على حجم الإرادة السياسية لدى الطرفين، واستعداد موسكو لتقديم ضمانات حقيقية للحوار العربي–العربي.
يقول يفغيني ساتانوفسكي، رئيس معهد الشرق الأوسط في موسكو، إن القمة الروسية–العربية في أكتوبر 2025 تأتي في إطار ما يسميه “إعادة تشكيل علاقات روسيا مع العالم العربي دون المرور عبر الفلاتر الغربية”.
ويضيف ساتانوفسكي:
“موسكو تعتقد أن الشرق الأوسط لم يعد بحاجة إلى وسطاء من خارج الإقليم. روسيا لا تفرض رؤى أيديولوجية، بل تقدم بدائل قائمة على المصالح والتفاهم المشترك. القمة القادمة ستكون فرصة لبناء تحالفات مرنة، غير خاضعة لشروط العقوبات أو الهيمنة الغربية.”
ويؤكد أن الكرملين يراهن على شركاء عرب قادرين على اتخاذ قراراتهم بعيداً عن الضغوط، ويريد استثمار هذا الظرف الدولي في ترسيخ شراكة طويلة الأمد.
في المقابل، أبدت عدة دوائر غربية قلقاً واضحاً من القمة الروسية–العربية، حيث ترى فيها محاولة روسية واضحة لخرق العزلة الدولية المفروضة منذ الحرب في أوكرانيا، وتوسيع نفوذها في قلب منطقة كانت تاريخياً ضمن دوائر التأثير الأمريكي–الأوروبي.
وتشير تقارير دبلوماسية أوروبية إلى أن واشنطن وباريس ولندن ستراقب نتائج القمة عن كثب، خصوصاً إذا تم توقيع اتفاقيات دفاعية أو اقتصادية قد تُحدث تغييرات في موازين القوى الإقليمية.
كما يتخوف الغرب من أن تتحول موسكو إلى منصة بديلة للدول العربية في ملفات مثل الطاقة والسلاح والسياسات النقدية، ما يقلل من فاعلية الأدوات الغربية في الضغط السياسي أو الاقتصادي.