استراتيجية الحرب الشعبية الثورية لكسب الوجود و الهوية و الحرية و بناء الديمقراطية

استراتيجية الحرب الشعبية الثورية لكسب الوجود و الهوية و الحرية و بناء الديمقراطية

الكاتب والباحث السياسي- أحمد شيخو

ما هي حالة الإبادة الجماعية الفريدة التي يتم تطبيقها على الشعب الكردي وماهي هي القوى الكامنة ورائها؟
هل يمكننا أن نحظى بهويتنا وأن ننال حريتنا بالثرثرة الديماغوجية الزائفة عبر الرياء والكذب والنفاق وبخوض نضال أيديولوجيّ وسياسيّ وثقافي وإعلامي يعتقد بوجود حقوق الإنسان وحرياته التي هي غائبة أصلاً، أليس هذا هو تشويش لوعي الشعب وتقزيم لإرادته الحرة و إضعافه ودفعه للاستسلام وقبول الخضوع والذل والمهانة؟
متى يتم اللجوء إلى استراتيجية الحرب الشعبية الثورية، وماذا تعني في الذهنية والسلوك والأداء و ماهي متطلباتها وعلاقاتها الدبلوماسية المجتمعية الديمقراطية وتحالفاتها اللازمة؟
كيف يمكن للحرب الشعبية الثورية والدفاع الذاتي أن تكونا الوسيلة الصحيحة والناجحة لتحقيق النصر وكسب الهوية والوجود والحرية و بناء الديمقراطية والتحول الوطني الديمقراطي ؟

رغم حالة الانحدار التي أصابت الشعب الكردي في وحدته الكلية منذ انهيار الكونفدرالية الميدية عام 550 ق.م ، إلا أن المجتمعات الكردية ظلت تحتفظ بقدر كافي من الذاتية في الإدارة والعيش بالثقافة والخصوصية الكردية مع الشعوب الأخرى المشاركة والمتعايشة معه، إلا أن وصلنا إلى أعوام 1830م والتدخل الغربي في المنطقة وخاصة التدخل الألماني في الإمبرطورية العثمانية وتوافقهم على المركزية وقبلها التدخل الفرنسيين بقيادة نابليون في مصر عام1800م. وبدأت حينها مسار وسياق ونهج دولتي أحادي مركزي خارج السياقات الطبيعية والثقافات التعددية للمنطقة وشعوبها وما أن وصلنا لبدايات القرن العشرين وفرض الدول القومية في المنطقة مع تهيئة الظروف لصعود التيارات الفكرية والسياسية والثقافية المرافقة واللازمة للدولة القومية، كانت المصيبة والكارثة الكبرى على كل المجتمعات والشعوب في المنطقة ، حيث أن سياسة فرق-تسد ومن قبل نظام الهيمنة العالمية حينها وعلى يد بريطانيا قسمت مجتمعاتنا وشعوبنا وخلقت دويلات قومية كأدوات لها لتتمكن من السيطرة والتحكم والاستغلال والنهب والهيمنة على المنطقة وعلى مواردها وتوجهات أهلها.
تم استهداف أغلب شعوب المنطقة ولكن تم استهداف والوقوف بشكل خاص من قبل نظام الهيمنة العالمية وتوابعهم وأدواتهم الإقليمية على الشعب الكردي وموطنه كردستان، حيث تم فرض التقسيم عليه بين أربع دول قومية وظيفية وتطبيق حالة الإبادة الجماعية الفريدة بحقه وأخذه رهينة مع جغرافيته وموطنه ليكون بؤرة توتر وقلق وقت الحاجة لمتطلبات الهيمنة للقوى العالمية وحالة لاحقة و تابعة للقوميات الحاكمة في الدول الاربعة وإعطاء دور منفذ ومنسق الإبادة للدولة التركية التي ضمت القسم الاكبر من الكرد وكردستان، مع عدم سماح القوى الدولية والإقليمية التابعة لها بتبلور أي سياق نضالي مجتمعي ديمقراطي كردي ومنعه من حصوله على حقوقه الطبيعية كما في المواثيق والقانون الدولي أو مبادئ ويلسون الأربعة عشر.

الإبادة الجماعية الفريدة:

إن نهج وطراز الإبادة و القمع والاستغلال والنهب المسلّط على الوجود والموارد و الهوية الكردية، ليس كمثل القمع والاستغلال الذي تؤديه أية دولة قومية في أي بقعة من العالم. ذلك أنّ أساليب الإبادة من قبل الدول القومية الاربعة وعلى رأسهم الدولة التركية ومنها التطهير الثقافي أو الإبادة الثقافية الطويلة المدى والمستشرية في كافة الحقول الاجتماعية قائمة في كردستان على قدم وساق وفي كل الأجزاء. وعليه، يستحيل الحديث عن الوجود أو الهوية أو الحقوق ما دامت تلك الأساليب والممارسات سارية.
أما الحرية، فلا تسري عندئذ إلا على عناصر الحداثة للدولة القومية الحاكمة، حيث يعيش سواد المواطنين –هناك أيضاً– عبودية عصرية. أما بالنسبة للكرد، فيستهلك وجودهم وهويتهم وثقافتهم ومواردهم جزءا تلو الآخر إلى أن يزولا كهدف طويل لتلك الدول الأربعة القومية. وكلّ وسائل الصهر والذوبان والإبادة دائرة على قدم وساق في سبيل ذلك وقوانينهم ودساتيرهم القوموية الدولتية التي لا تعترف سوى بقومية واحدة حاكمة وجدت لذلك لإنهاء الكرد وثقافتهم وسيادة القمع والظلم على كافة الشعوب ضمن تلك الدول. علماً أن موضوع الحديث هنا ليس قمع سياسي واستغلال اقتصادي فحسب. بل إنّ الوجود التاريخيّ الاجتماعيّ والهوية الذاتية بحدّ ذاتيهما يتعرضان و يعانيان من الإنكار والإبادة. بالتالي، من المحال نيل الحرية بكفاح ونضال سياسيّ واقتصاديّ ومدني من الطراز الأوروبيّ أو الليبرالي أو الارتهان إلى النضال السياسي والثقافي ضمن الأنظمة القمعية والنظام الدولي الذي لا يعترف سوى بالدول والقوة وليس بالشعوب والمجتمعات وحقوقهم الطبيعية.
للظاهرة الكردية خصوصية ووضع مختلف. إذ يتمّ إنكار الوجود الكرديّ وهويته. حيث يمنع الحياة الكردية بألوانها وخصوصيتها وثقافتها ولغتها وتنظّم الإبادة الفريدة و التعسفية على الأجزاء المتبقية منهما . وفي هذه الحالة يصبح الوجود والحرية للشعب الكردي مصطلحين متداخلين بحيث يستحيل تحقّق أحدهما من دون الآخر. و على الكرد بكسب الوجود إن كانوا يسعون إلى الحرية، وعليهم بنيل الحرية إن كانوا يريدون الوجود.

هذا وبالرغم من سيادة الوسائل النفسية والثقافية والأيدولوجية الكثيفة والمركزة خلال مراحل الإنكار والإبادة، إلا إنّ أساليب التطبيق كانت ولازالت تستند إلى الشدة و العنف الغير مبرر والقوة المفرطة. فالجيش، الأمن، الميليشيات الفاشية المدنية، المرتزقة، والميليشيات العميلة؛ كلّهم قائمون على نشاطاتهم كشبكة متغلغلة في مسامات الوجود كافة، وبمساندة الناتو والقوى الحليفة الأخرى ولعل استعمال الأسلحة الكيميائية والنووية التكتيكية من قبل الجيش التركي في مناطق الدفاع المشروع في زاب ومتينا وآفاشين وفي العديد من المناطق الكردية في سوريا والعراق وتركيا بعض من هذه العنف والجرائم والإبادة في ظل دعم من نظام الهيمنة العالمية وبمختلف أقطابها يساراً ويميناً.
إنّ قوى الإبادة المادية العينية المرتكزة إلى خلفية تاريخية عمرها مئة سنة بأقلّ تقدير، تطمع دوماً في استخدام القوى السلطوية والهرمية التقليدية أيضاً. لذا، يستحيل كسب الوجود والهوية أو نيل الحرية؛ من دون وضع حقائق تلك القوى نصب العين، ومن دون الشروع بممارسة أو خوض صراع يستهدفها ويحد منها ويشتتها.
وأحدث مثال عن سلوك الإبادة الجماعية الفريدة من التطهير العرقي والتغير الديموغرافي والجرائم ضد الإنسانية ما يحصل في عفرين وسري كانيه(رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وقبلها منذ مئة سنة في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) وحتى اليوم من حرق مئات الآلاف القرى كما حصل في أعوام 1993-1994 وتهديم وتخريب عشرات المدن والنواحي كما في 2015-2016 ووضع عشرات الآلاف من القادة والنشطاء والسياسيين الكرد وعلى رأسهم القائد والمفكر عبدالله أوجلان في السجون وعدم الأفراج عنهم حتى بعد انتهاء مدة الحكم عليهم، علاوة على أن تركيا السلطة والدولة والمعارضة الدولتية ترى وجودها وبقائها في منع الكرد من الحصول على حقوقهم وتصفيتهم وإلحاقهم بالقومية التركية في تركيا وبالمثل في الدول الأخرى التي حتى اليوم كإيران وسوريا لم تعترف بالوجود الكردي وحريته في الدستور ويقلدون تركيا في ممارساتها الإجرامية والإلغائية.
إن مفهوم الحاكمية الدولتية القومية في المنطقة وفي الدول الأربعة التي يتواجد الكرد وكردستان ضمنهم يرتكز إلى نظرية القوة التي لا تجزّأ ولا تشاطر مع الغير قطعياً. ولا يمكن المساس ولو بشبر واحد من الحدود المصطنعة. بل ويستحيل التنازل حتى عن حصاة صغيرة. أما الألوهية، أو بالأحرى ألوهية الدولة القومية، التي وكأنها تقول لكلّ شيء “كن” فيكون؛ منزّهة عن السجال من خلال ما يضاهي الألوهيات القديمة ألف مرة من نفوذ متعزز، وقوة مركزية، ومجتمع نمطيّ، ومواطن عبد كلياً، ومفاهيم مصطنعة واحدية في كلّ الشؤون (“وطن واحد”، “لغة واحدة”، “ثقافة واحدة”، “علم واحد”، و”نشيد وطنيّ واحد” وما شابه)، وكذلك من خلال القوى التي تحت إمرتها. وكان ومازال أبسط نقاش أو أيّة أطروحة مضادة يعتبر أخطر جرم يهدد “وحدة الوطن وسيادته”، فيحكم عليه بأشدّ العقوبات والقتل علاوة على شيطنته. أما طرح أبسط المزاعم المضادة في أجواء تسوده هكذا ظروف بقوة، وتسري فيه بكلّ أقوالها وأفعالها؛ فليس وارداً إلا بالدفاع عن النفس عبر التسلح بأساليب العنف و النقاش حول متطلباته الاستراتيجية والتكتيكية أي الحرب الشعبية الثورية. وتنظيم قوات عسكرية. وإلا، لن نستطيع الصمود ولو يوما واحداً. وحتى لو صمدنا، فلن نختلف عن غيرنا من القوى، ولن نستطيع النفاذ من التصفية والإنتهاء، و من الصحيح القول أن التركياتية الفاشية والعروبة الأحادية الضيقة والقومية الشيعية هي مصطلحات مصطنعة لزوم القوموية الدولتية والنظام الرأسمالي العالمي وخليلتهم أو نواتهم في المنطقة إسرائيل، وليس لهذه المصطلحات الشوفينية العنصرية علاقة بالثقافة أو أصالة الشعوب العربية والتركية والفارسية التي عاشت مع الشعب الكردي وفي توافق ووئام ضمن الحضارة الإسلامية وقبلها .

في تركيا ومنذ 1925 ومع قوانين إصلاح وإسكان الشرق كانت الحرب الشاملة معلنة على الشعب الكردي وكل الممارسات والإجراءات والقوانيين هي لتهجير و لتصفية الشعب الكردي وإنهائه والقضاء على كل شيء يمت للكردياتية بشيء والخيار العسكري هو خيار الدولة التركية وحكوماتها منذ 1925 وحتى اليوم إضافة إن العقلية والذهنية التركياتية الفاشية التي أرتكبت الإبادة الجماعية ضد الشعب الارمني والسرياني الأشوري و اليوناني والعربي وغيرهم هي التي تحكم الدول التركية حتى اليوم وما أرتكبتها ضد الكرد يتجاوز ما تم ارتكابه بحق الأرمن والسريان اضعافاً مضعفة.

في سوريا مازالت المركزية الشديدة والأحادية القومية ورفض الأخر المختلف من قبل البعث الشوفيني والنظام القمعي هو السائد على رغم من حالة الضعف والتأثير الإيراني والروسي القوي على النظام مع الأزمة الثورية، علاوة على أن تركيا وبتوافق مع مسار أستانة وبرضى النظام احتلت المناطق الشمالية من سوريا وكأنها ليست أراضي سوريا ولا تعني النظام السوري الذي رضخ للمصالح الروسية والإيرانية وتوافقهم مع تركيا إضافة على أن النظام السوري مازال ورغم كل الاحتلال التركي ودعمها للإرهاب وحالة عدم الاستقرار يتواصل مع دولة الاحتلال التركي في تأمر وخسة واضحة تجاه الشعب الكردي والشعوب المتعايشة معه ولا يقبل بالمقاربة السياسية والقانونية لحقوق الشعب الكردي أو للوضع السوري العام أو تحويل سوريا إلى دولة ديمقراطية لامركزية.

في إيران لا يختلف الوضع كثيراً حيث مازال الشعب الكردي محروماً من أبسط حقوقه الثقافية والسياسية والقومية وبل أن ظاهرة اغتيال وإعدام السياسيين والنشطاء الكرد هي من الممارسات المستمرة للنظام الإيراني الشيعي القومي الذي ليس له علاقة بالإسلام والمظلة الإسلامية الواسعة التي قبلت كل الشعوب وبثقافتهم ولغاتهم أيام الحضارة الأسلامية بل هو تركيب شيعة قومية تستغل الدين الإسلامي تحت حجج واهية لإعادة الكيروسية والصفوية.
وفي العراق يظهر التواطؤ الفاضح من قبل الحكومات العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق مع دولة الاحتلال التركية وهجماتها فمواقفهم الخجولة والمتواطئة والمتعاونة في أغلب الأحيان مع تركيا هي المشرعنة والمساعدة للاحتلال التركي لإقليم كردستان العراق وخاصة مواقف حزب الديمقراطي الكردستاني الذي اصبح يشكل جزء من الدولة التركية وأحد توابعها ومناطقه اصبحت مناطق للجيش والاستخبارات التركية بل أن أجهزة الأمن والاستخبارات في الإقليم اصبحت جزء من الميت التركي في تنفيذ كل ما تطلب منهم تركيا لمواجهة حركة حرية الشعب الكردي وقوات الكريلا والكرد الأحرار. إضافة إلى هجماتهم على المجتمع الإيزيدي في شنكال ومحاولت إخضاعهم بالقوة و والهجمات على اللاجئين وحصارهم كما في مخيم مخمور.
ويمكن القول أن للصهاينة اليهود دور كبير في هذه المقاربات و الأيدولوجيات الفاشية و الأحزاب العنصرية رغم الشعارات الكاذبة والمضللة لهذه الأحزاب فهم تدربوا وقادمون من ما تم تسميته بالتنظيمات الفتاة المختلفة كتركيا الفتاة في تركيا و العديد من الميول والتوجهات في بلدان المنطقة التي انطلق منها وعلى قاعدتها التيارات والأحزاب الأحادية القوموية والفاشية التي تنكر ثقافة التعايش والتعدد في المنطقة وتصر على فرض النمطية والتجانس ولو عبر ارتكاب الابادات والإنكار لكونهم حالة تركيز السلطة الوظيفية للهيمنة العالمية.
وعليه ليس فقط غياب الديمقراطية هو السائد بل أن ما هو قائم في جميع دول القومية التي تم تقسيم كردستان بينهم هو حالة إبادة جماعية فريدة بريادة تركيا وتواطؤ الدول القومية الأخرى ومساندة الهيمنة العالمية بمعية الناتو، ويظل أحد أهم أهدافهم وتعاونهم هو استمرار حالة الإبادة وإنكار وإنهاء الكرد ومجتمعيتهم الديمقراطية وعدم السماح لصعود وبروز أي سياق سياسي مجتمعي ديمقراطي كردي حر بالتشارك مع الشعوب المجاورة والمتشاركة والموجودة تحت سقف نفس الدول القومية. وما محاولات البعض أحياناً من هذه الدول الكلام والتحدث عن الحقوق الفردية والثقافية إلا استكمالاً للإبدة الفريدة المطبقة من قبلهم بحق الشعب الكردي وسداً لأي جهود شعبية جبارة ستكشف نفاقهم وتنهي إبادتهم .

التيارات العميلة والمتواطئة مع الدول القومية:

إنّ بعض الانطلاقات السقيمة و الضحلة وتيارات القوموية البدائية الملتفة حول الطبقة البورجوازية أو الطبقة الفوقية العميلة والتي ترى مصالحها مع الأسياد من القوميات الأخرى بإنكار الثقافة و الحقيقة المجتمعية الكردية منذ أعوام 642م وتغير غالبية الديانة الكردية من الزرادشتية إلى الإسلامية، والتي تشاهد بين صفوف المتواطئين الكرد العصريين وبعض التيارات والقوى العشائرية الحزبية وتوابعهم؛ وكذلك الشوفينيات الاجتماعية التركية والأحزاب الفاشية والعنصرية في الدول الأربعة و المتواطئة مع الدولة القومية الحاكمة؛ هؤلاء يقومون بالتحدث عن كفاح عامّ ومدني ومعياريّ وإعلامي وثقافي لأجل الحرية، دون أن تضع نصب أعينها :
1- نظام الإبادة والإنكار والقتل والمنع بالقوة المسلّط على الوجود والهوية والثقافة الكردية،
2- وسائل وسبل التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي الممارس.
3- الموت البطيء الممارس على قادة ونشطاء الشعب الكردي في سجون الدول الأربعة.
لذا، ومهما كانت تلك الإنطلاقات والتيارات والطبقات والأحزاب صادقة، إلا إنهم موضوعياً يؤدون دوراً أكثر سلبية مما عليه قوى الإنكار والإبادة الواعية لمآربها، نظرا لتغافلهم أو تعاميهم عن حالة الإبادة الجماعية الفريدة القائمة و بذلك قيامهم بتشويش الوعي والثقة بين المجتمع
.
فهم يقولون أنه يمكن الحظي بالهوية ونيل الحرية بالثرثرة الديماغوجية الزائفة التي لا طائل منها عملياً. وكأنهم يسعون إلى مداواة كائن على مشارف الإنكار والإبادة باقتراح أساليب أشبه ما تكون بإعطاء الأسبرين مثلا إلى مصاب بمرض السرطان. وهي بذلك تزعم أنها تداويه، لكنها في الحقيقة تتسبب وتتعجل في وفاته. والنتائج بيّنة للملأ، بالرغم من اختبارها تلك الأساليب لسنوات عديدة.

وكما أن البعض يخطأ و يظن أنه يمكن التمتّع التامّ بالهوية الذاتية والعيش بحرية عبر الرياء والكذب والنفاق والكلام فقط وبخوض نضال أيديولوجيّ وسياسيّ ومدني يعتقد بوجود حقوق الإنسان وحرياته التي هي غائبة أصلاً في تركيا وفي الدول القومية الأخرى. بل يتعدى الأمر كونه اعتقاداً ليبلغ حدّ الترويج له، سعيا منها للتشويش على وعي المقاومة لدى الشعب وتقزيم إرادته الحرة وإضعاف تنظيمه وسد الطريق أمام سياقات مجتمعية وشعبية ديمقراطية مقاومة واستراتيجية الحرب الشعبية الثورية التي لابد منها لمواجهة الإبادة الجماعية الفريدة وبناء المجتمع المقاوم والمنظم والديمقراطي الذي سيؤسس الديمقراطية في حياته عبر بناء إدارته الذاتية بأبعادها كافة .

الحرب الشعبية الثورية:

إن استراتيجية الحرب الشعبية الثورية تعني في جزء كبير منها أن يقوم الشعب والمجتمع وبريادة المرأة الحرة والشباب الواعي والمنظم ببناء الذهنية التشاركية المقاومة وإرادتها الحرة والسلوك الرافض للاستسلام والخنوع والعبودية، عبر قيام المجتمع بتوعية وتنظيم وتدريب نفسه وكافة أبنائه وعلى مختلف أعمارهم وأوضاعهم للقيام بدور الحماية والدفاع وسحق الأعداء المهاجمين وتأمين متطلبات ذلك، دون الاعتماد والثقة بالأخرين مهما كان الأخر قريباً أو بعيداً، ويتضمن الحرب الشعبية الثورية آليات الدفاع الذاتي للمجتمع والشعب بكافة أنواعه وهي تعني أن يكون المجتمع والشعب مع قواته الدفاعية الذاتية(العسكرية والأمنية والجوهرية) في آلية وهيكل عمل متكامل ومتوازن ومناسب لكافة الظروف والتداعيات وبمهمات واضحة مدربة عليها، بحيث يقوم كل إنسان في المجتمع ومهما كان وضعه بوظيفته الأساسية الدفاعية وهي الحماية كأحد وظائف أي كائن حي الثلاثة تأمين المسكن والمأكل والحماية والوصول إلى الحياة الحرة الكريمة.

إن الحرب الشعبية الثورية الشاملة تشكّل الاستراتيجية الوحيدة الصائبة في هذه الفترة وغيرها والمقابلة لحالات الاحتلال والسلوك العدواني ولخيارهم العسكري للتصفية والإبادة الجماعية والتهير العرقي وهي السبيل لكسب الحرية والهوية وحماية الوجود و بناء الديمقراطية والحياة التشاركية. بينما الأساليب الأخرى لن تذهب في دورها أبعد من خدمة الإبادة الجماعية الفريدة المطبقة والجارية منذ 1925 حتى اليوم بحق الشعب الكردي . ونستطيع القول أنها المقاربة الصحيحة لوضع و حالة شمال وشرق سوريا الآن ، حيث أن الشعوب والمجتمعات وكافة التكوينات و الخصوصيات تستطيع العمل والنضال بفعالية كبيرة ضمن استراتيجية الحرب الشعبية الثورية لهزيمة أي هجمات تركية ستشن وبالتواطؤ من القوى العالمية والإقليمية و كما تستطيع الحرب الشعبية الثورية من تحرير الأراضي المحتلة في شمالي سوريا من إدلب إلى عفرين حتى رأس العين.
من الواضح أنّ النضال بأساليب ووسائل تشلّ تأثير أساليب نظام الاحتلال و الإنكار والإبادة والتطهير والنهب ومنها استراتيجية الحرب الشعبية الثورية يعدّ شرطاً لا بدّ منه لكسب الوجود والهوية والحرية معاً. إذ لا يمكن للوسائل الأيديولوجية والسياسية والمدنية أن تكون كافية في الظروف القائمة رغم ضرورتها وتأثيرها. ولن يصبح تأثير هذه الوسائل سارياً، ولن يناط بدور ثمين؛ إلا بعد الحدّ من وسائل الإبادة والإنكار والنهب عبر الأساليب والوسائل الثورية. وبالأصل، كانت تلك الحقيقة، أي جسارة الشعب الكردي بريادة حزب العمال الكردستاني PKK على الكفاح بالوسائل والسّبل والأدوات الصحيحة، مؤثرا أساسياً في حظي الحالة العملياتية الشجاعة الموجودة في انطلاقة PKK وحتى اليوم بمؤازرة الشعب الكردي القوية له أولا ثم موازة شعوب المنطقة له، فاستراتيجية حرب التحرير الوطنية المضادة للاستعمار، والتي تبنّاها في البداية، كانت تشتمل على حقائق مهمة، بالرغم من بعض نقاط الغموض التي احتوتها. ولذلك كانت تلقى الدعم والمؤازرة الشعبية. فضلا ًعن النقد والبحث الجاري بحثاً عن استراتيجيات وتكتيكات ومراحل ربما تكون أصحّ وأحدث وأنجح في النضال، ولقد كانت ملحمة ومقاومة وشهادة مظلوم دوغان في ليلة نوروز و الصيام حتى الشهادة في 14 تموز في سجن آمد(ديابكر) عام 1982 للقادة والكوادر الأربعة(كمال بير، محمد خيري درموش، علي جيجك، عاكف يلماز) بالإضافة إلى عملية الأربعة وما قاله محمد خير درموش أثناء اعلانه البدء بالصيام حتى الشهادة بقوله “للذين يقولون أنهم سيناضلون لأجل هذا الشعب (يقصد الكردي) عليهم أن يضعوا نصب أعينهم النضال المسلح، فبدون النضال المسلح لا يمكن أن تتغلب على الاحتلال” كانت اللبنة الأساسية للنضال والحرب الشعبية الثورية في كردستان وإعادة إحياء الروح المقاومة لدى الشعب.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحرب الشعبية الثورية التي نقصدها ليست هي الحرب الفيتنامية أو الكمبودية أو حركات التحرر الوطنية السابقة في الشرق وتياراتها السياسية والثقافية والاجتماعية ولكن هي حالة حرب ومقاومة شعبية شاملة وبناء مجتمعي ديمقراطي في الوقت نفسه حتى لا يكون هناك نجاح للثورة المضادة وهزيمة لحقيقة الحرب الشعبية المجتمعية كما حصل في أغلب الثورات وحركات التغيير والجهود الوطنية السابقة التي كانت في مجملها واقعة تحت تأثير الحالة والأفكار الاستشراقية.

تحالفات و علاقات الشعوب في الحرب الشعبية الثورية ومتطلباتها:

استراتيجية الحرب الشعبية الثورية وخصائصها التكتيكية تتطلب قيادة واعية و مبادرة وشجاعة ومنظمة و فعلية حقيقية على الأرض علاوة على علاقات داخلية وخارجية و تموضع صحيح في محطيها و المنطقة في الشرق الأوسط يتسم بماهية تلبي المتطلبات الاستراتيجية للحرب الشعبية الثورية وأدواتها ولوازمها والأماكن الخلفية الضرورية للتدريب والمعالجة والإعلام والنقاش. ذلك أنّ وضع التوازن الذي يمكن التخندق فيه يجب أن لا يسمح بأية إملاءات أو شروط قسرية و أن يحتوي الظروف المناسبة لدعم الحرب الشعبية، وليس لتقديم التنازلات بصددها، ويجب تحقّق هذا الوضع الاستراتيجيّ البالغ الأهمية و الظروف المناسبة للغاية لتصعيد الحرب الشعبية الثورية، سواء من حيث عقد العلاقات الاستراتيجية أو التكتيكية، أو على صعيد تأمين وتغطية الدعم التكتيكيّ في حقل التدريب والاحتياجات اللوجستية بوجه خاص. وتبقى المقاربة الصائبة والذكية ذات المعاني التاريخية مجسدة في الاستفادة التامة من الظروف والتناقضات بين القوى والدول الإقليمية والعالمية لخدمة أهداف الحرب الشعبية الثورية ومسارها.
كلّ ثورة ومقاومة وحرب هي اتفاق وتحالف. فمن دواعي الطبيعة الاجتماعية أنْ تقوم المجتمعات والشعوب و قواها الثورية والمقاومة والديمقراطية والمدنية التي نسج مصيرهم المشترك تحت سقف نفس الدولة القومية، بالحراك المشترك ضمن إطار التحالف فيما بينهم قبل كلّ شيء وكما إنّ التضامن بين الطبقات والمجموعات الثقافية التركية والكردية والعربية والفارسية ومختلف الشعوب أمر لا يقبل الجدل أهمية وفعالية و النقاش الدائر يتعلق بالانقطاع الموجود فيما بينها عملياً وسبل جمعهم وتحالفهم في إطار الحرب الشعبية الثورية.

كما إنّ انحدار الأصل من مجتمعات وشعوب و أمم أو طبقات وأديان ومذاهب مختلفة ليس عائقاً أمام التحالفات والعمل المشترك. بل وبالعكس، فالتحالفات تكتسب أهميةً أكبر حصيلة هذه الاختلافات. فالحدّ الأدنى من الالتفاف الموحّد حول استراتيجية الحرب الشعبية الثورية و الأهداف الثورية والديمقراطية يتطلب الاتفاق. وقد يتحقق الاتفاق بين تنظيمات مختلفة أو حتى ضمن المجتمع و التنظيم نفسه. من هنا، فالعجز عن إبرام تحالفات مبدئية ومستدامة بين الحركات الديمقراطية والتشاركية والمجتمعية والثورية في تركيا وسوريا وإيران والعراق ومختلف دول المنطقة، هو على ترابط بمساعي القوى المناهضة للديمقراطية وأخوة الشعوب. فالأيديولوجيا الشوفينية الاجتماعية تكشف عن ذاتها في هيئة عدم التحول إلى قوة سياسية مناضلة. أما مواقف العزل والإقصاء المتّبعة حيال القضية الكردية وحلّها أو شيطنة النضال الكردي الحر، فهي معنية بتداعيات الثورة المضادة وبسياسات “فرّقْ–تسد”. وتؤدي جميع هذه الحقائق المعاشة وظيفة ورق عبّاد الشمس أثناء نضال الشعب الكردي، حيث كشفت عن الهوية الحقيقية لكافة العناصر المنافقة و المنسلّة داخل النضال الثوريّ والديمقراطي داخل المنطقة وداخل دولها وبين مختلف شعوبها ومجتمعاتها. إذ لا يمكن إيضاح أو تبرير قيام المجموعات الشوفينية الاجتماعية بتجميد كافة فعالياتها بسياسات القمع والاحتواء تارة فحسب كما لا يمكن تبرير وإيضاح أن يصبح العديد من ما تم إطلاق اسم الثوري والمناضل عليه في ليلة وضحاها إلى مرتزق تركي أو أن يقوم بتغيير كل توجهاته السياسية والاجتماعية في لحظة وحدة وفقاً للممول أو الداعم أو للدولة التي يتواجد فيه كما في الحالة السورية وذهاب العديد من المعارضة إلى الحضن التركي الإخواني . ذلك أنه ليس بمستطاع تلك القوى أنْ تكون مبدئيةً أو أنْ تحقّق التطور اللازم، إلا إذا كانت طرفاً في حرب الحرية والهوية الكردية، وبالتالي إذا تجرأت على عقد التحالف مع قوى الشعب الكردي وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني ومنظومة المجتمع الكردستاني وفي سوريا والعراق وتركيا وإيران لا يمكن لإنسان عربي أو تركي أو فارسي أو من أية قومية أن يكون ديمقراطياً وثورياً ومناضلا أو حتى إنساناً إذا لم يكن إلى جانب الشعب الكردي ونضاله المحق والذي هو نضاله ايضاً للتخلص من القمع والظلم والدكتاتورية والفقر وبناء الديمقراطية.

لكن الوعي التاريخيّ والاجتماعيّ الصحيح هو ما يلزم أولاً لأجل تطوير صداقات قيّمة وعقد اتفاقات وتحالفات ذات اعتبار؛ ليس بين القوى الديمقراطية والتقدمية أو المجتمعية الكردية والتركية والعربية فحسب، بل وبين القوى الشعبية الاجتماعية قاطبة. ومن دون صياغة تعريف سليم للعلاقات المتبادلة بين الثقافات على مرّ التاريخ، فمن الصعوبة تطوير علاقات وتحالفات عادلة ومتساوية وحرة في راهننا، أو حتى سنّ دستور ديمقراطيّ كتعبير ملموس عن تلك العلاقات والتحالفات أو خوض الحرب الشعبية الثورية بنجاح. وما هو ضروريّ لأجل ذلك هو أنْ تتخلى الحداثة التركية والعربية والفارسية عن الذهنية الفاشية أحادية الطابع، والتي تنكر التاريخ التركيّ والعربي والفارسي المشترك مع الشعب الكردي والشعوب الأخرى بقدر إنكارها لوجود القيم الثقافية الأخرى؛ وأن تقبل ببنية المجتمع ذات التعددية الثقافية، وبتاريخه الغنيّ. أما القوى الاجتماعية التي تتقاطع مصالحها في العيش المشترك بصداقة وودّ وتآخ ضمن نفس الحدود السياسية بأقلّ تقدير، فإنّ احترامها المتبادل لوقائعها التاريخية والاجتماعية، واعترافها ببعضها بعضاً على أساس المساواة والحرية؛ سيغدو أرضيةً متينةً للصداقة والتحالفات طويلة الأمد والحصينة، بقدر ما يعدّ أساساً لاتحاد قواها وممارساتها المرحلية، ويشكّل صلب تشييدها يداً بيد صرح نظام دستوريّ ديمقراطيّ أو خوض الحرب الشعبية الثورية للوصول إلى النظام الديمقراطي والمجتمع الديمقراطي التعددي وذلك حسب الظروف والأجواء السياسية والطريق الممكن لحل القضايا الوطنية.
لا يلغي الحرب الشعبية الثورية إمكانية الاتفاق والحل الديمقراطي بل أن الحرب الشعبية الثورية ستؤدي إلى الحل وفق شروطها وظروفها وهنا يقف الشعب الكردستاني ومنظومته منظومة المجتمع الكردستاني KCK في يومنا الحاليّ على مفترق طرق فإما:

1- الحل الديمقراطي: وهو أن يتحقق حلّ القضايا بتكريس السلام والسياسة الديمقراطية عبر “الدستور الديمقراطيّ”. وفي هذه الحالة لن تقتصر الدول القومية المعنية على التخلي عن سياساتها في الإنكار والإبادة، بل وستعترف بالتعريف الواقعيّ للقضية وبالتاريخ المشترك والأزمة الحالية، وستبحث في حلّه وفق “الدستور الديمقراطيّ العالميّ”، وستتداول مضمون الدستور الديمقراطيّ وأسلوبه مع الجهات والأطراف المعنية. وهذا الحلّ الذي يمكّن من وحدة البلاد دولة وأمة، يقتضي التحولات الديمقراطية العميقة، و في هذا ستكون حل القضية الكردية بداية وفاتحة لنظام ديمقراطي لامركزي تعددي يجلب الخير والرفاهية والتنمية لكافة شعوب الدول الأربعة والمنطقة.

2- الحرب الشعبية الثورية : وهو وفي حال الإصرار من قبل الدول القومية الأربعة والهيمنة العالمية على عرقلة طريق الحل الديمقراطي المرغوب بأولوية متقدمة كما هو الآن في سوريا وتركيا وإيران والعراق، فإنّ ما سيتبقى هو سبيل قيام الشعب الكردي ومنظومته KCK بإنشاء وحماية اقتداره الديمقراطيّ بنحو ثوريّ أحاديّ الجانب. ويحتوي هذا الطريق على الكثير من العوامل المؤدية إلى المضيّ فيه بنجاح. ذلك أنّ جهود وفلسفة واستراتيجية المفكر والقائد عبدالله أوجلان و الدليل الأيديولوجيّ والسياسيّ لـPKK، الذي يتحلى بخبرة تناهز الأربعين عاماً، وكذلك نصرة الشعب الكردي وشعوب المنطقة القوية له والممزوجة بالحرب الشعبية، وقوته العسكرية التي تؤهّله لممارسة الدفاع الذاتيّ في جميع المجالات، وشبكة علاقاته الداخلية والخارجية الواسعة؛ كلّ ذلك يتيح المجال أمام الشعب الكردي KCK كي ينشئ الأمة الديمقراطية، ويوجهها، ويدافع عنها. ولن يتعرض هذا الطريق مرة أخرى للانسداد الذي عانى منه سابقا. ونظراً لكونه يطمح إلى الأمة الديمقراطية، لا إلى قوموية الدولة؛ فإنه منفتح على الحوار والتفاوض مع قوى الدولة القومية بصفته مناصراً دائما للحلّ وترسيخ السلام. وفي حال فشله على هذا الصعيد، فسيتحصن بقواه الذاتية في السير قدما على دربه الأصلية، وسيواصل إنشاء الأمة الديمقراطية، وتوجيهها، وحمايتها بنجاح موفق. وسيكون التجسد العمليّ لـKCK بشكل أحاديّ الجانب ضمن كافة أبعاد الأمة الديمقراطية بداية مرحلة جديدة مختلفة عن المرحل السابقة من الحرب الشعبية الثورية. ففي هذه المرحلة لن تقتصر السيادة على إدارة الحزب والحرب فقط. فبالإضافة إلى الأعمال والنشاطات السابقة، فإنّ المهمّة الأساسية في هذه المرحلة ستتجسد في إنشاء الأمة الديمقراطية وإدارتها بكافة أبعادها. ومن الواضح أنه في ظلّ هذه الظروف الجديدة ستعاش أجواء مليئة بالتنافس والصراع والاشتباكات الكبرى بين مؤسسات الدولة القومية وقواها من جهة، وبين مؤسسات KCK المجتمعية وقواه من جهة ثانية. وسوف يسري مختلف أشكال الحكم والإدارة ضمن المدن والمناطق الريفية.

يقول القائد والمفكر عبدالله أوجلان في معرض حديثه عن الحرب الشعبية الثورية واقتناعه بها وبإحرازها النصر :” لا أنفكّ مقتنعاً بأنه في حال عدم تطور حلّ وفق السياسة الديمقراطية، فمن الضرورة خوض تجربة استراتيجية الحرب الشعبية الثورية كوسيلة أساسية لكسب الهوية ونيل الحرية. وكلي إيمان بإمكانية إنجاز الحلّ بالسياسة الديمقراطية. والشرط الوحيد اللازم لتحقيق ذلك هو قيام الحكومات التركية والسورية والإيرانية (القوى النافذة في السلطة) بإبداء الجرأة والإرادة في صياغة الحلّ على الصعيد السياسيّ. وإلا، فما سيجري هو الممارسة الشعبية الثورية القديمة الجديدة في آن، وكذلك الحرب الشعبية الثورية التي هي أرقى مستويات تلك الممارسة. إذ لا يمكن تصوّر فشل الحرب الشعبية الثورية، التي أثبتت جدارتها في الماضي لدى اختبارها بأبسط التكتيكات، في إحراز النتائج المرجوة بعد هذا الزخم المتراكم من التجارب. والنتيجة لن تتغير، حتى لو ارتكبت الإبادات الجماعية. كما من غير المتوقّع الاستمرار بأساليب الإبادة الثقافية القائمة، بعد كلّ هذه الفضيحة التي طالتها والعزلة التي أحاطت بها. سوف تتواجد القوى المتشبثة بتلك الأساليب. لكنّ النتيجة لن تتخطى حدّ الإثمار عن نتائج أسوأ حينذاك بالنسبة إليها. تتجسد القضية الأصل هنا في سلوك المنوال الصحيح وبالدرجة الكافية لتلبية متطلبات الحرب الشعبية غير المنجزة في الماضي.”
ويتابع القائد أوجلان ” إنّ الحرب الشعبية الثورية، التي لم تكتف بإماطة اللثام عن مؤامرة الإبادة الثقافية والدولتية القومية العميلة النابعة من هيمنة الحداثة الرأسمالية طيلة القرنين الأخيرين، تعتبر نجاحاً عظيماً بتحقيقها الأمة الديمقراطية كبديل راسخ في كلّ جزء وفي ذهنية كلّ إنسان كرديّ صادق ومخلص وفي جسد كلّ مجموعة كردية وفية. بناءً عليه، فقد أعدّت الأرضية اللازمة لتطوير التعاون والتضامن الوديّ بين شعوب الجوار أولاً (الشعوب التركية والعربية والفارسية)، وبين ثقافات شعوب الأقليات الأخرى والشعوب المعرّضة للتصفية ثانياً (الأرمن، الإغريق والسّريان وغيرهم)؛ وهيأت الأجواء لتنظيمها جميعاً بوصفها تجمّع الأمم الديمقراطية. كما فتحت الأبواب على مصاريعها أمام الرقيّ بهذا النجاح التاريخيّ على الصعيدين الإقليميّ والعالميّ، من خلال أدائها لدورها الرياديّ في إنشاء العصرانية الديمقراطية”

وعليه نستطيع القول أن استراتيجية الحرب الشعبية الثورية حقيقية مجتمعية متكاملة للنصر والبناء وهزيمة الأعداء وكسب الوجود والهوية والحرية وبناء الديمقراطية عبر جهود مشتركة وتعاون وتحالف كافة أبناء المجتمعات والشعوب فيما بينهم ومع بعضهم من جهة ومع محيطهم من جهة أخرى من الذين يريدون غد أفضل والوصول للحرية والديمقراطية والتنمية. وفي حالة الشرق الأوسط والحرب العالمية الثالثة التي تدور رحاها في ربوعها ومع مشاريع القوى العالمية والإقليمية التي تريد الاحتلال والتقسيم والنهب وممارسة حالات مختلفة ومتعددة من الإبادات الجسدية والثقافية والتغيير الديموغرافي وانتشار الإرهاب والأسلحة الحديثة وتوسع الاحتلال، لابد لشعوب المنطقة من بناء العلاقات الصحيحة والاعتراف والاحترام المتبادل مع التمسك بالخيار السليم والصائب وتفعيل كافة الجهود وفق استراتيجية الحرب الشعبية الثورية كسياق ومسار مجتمعي ديمقراطي مقاوم و شامل للصمود والمقاومة والانتصار وبناء النظام الديمقراطي ونيل الحرية و كسب الهوية لكل المجتمعات والشعوب والأمم وتكوينات المنطقة المنطقة الاجتماعية المتعددة والمتنوعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: