الفصل بين الذات والموضوع…ثنائية الاستعباد والهيمنة والإبادة

الفصل بين الذات والموضوع…ثنائية الاستعباد والهيمنة والإبادة

من أين بدأ الفصل وهل كانت البداية للثنائيات المتناحرة وحالات الإبادة والتطهير العرقي والفاشية والاعتداء على الإنسان و الطبيعة؟
كيف تدفق مسار الفصل تاريخياً و كيف تجسد في البنية المجتمعية وفي الذهنية والسلوك لشعوب المنطقة ؟
هل يمكن القول أن الأسلوب العلمي المجسد للفصل بين الذات والموضوع هو أحد الأسباب الرئيسية لأزمة نظام الهيمنة العالمية وأدواتها في المنطقة والعالم ؟
ما هي مميزات حركات الوعي الكردية وأهميتها بالنسبة للمنطقة والإنسانية؟
ما هو الحل لمشكلة الفصل، وأين يكمن الحياة الحرة وبعدها الزمكاني؟

بداية الفصل بين الذات والموضوع:
لم تشهد المجتمعات النيوليتية والمجتمعات التي تسبقها مشكلةً اسمها الفصل بين الذات والموضوع. لم تكن الثورة النيوليتية، التي أنجزها الكرد الأوائل على ذرى وحوافّ سلسلة جبال طوروس–زاغروس، تعرف التمييز بين الذات والموضوع. ولم تكن تحتوي على الفصل بين الإنسان الذات والطبيعة الشيء. بل كانت الحياة تنضح بالمعاني الخارقة الخلاّبة والمفعمة بالغبطة والحماس و كانت الحياة بعينها مسيرةً مليئةً بالمعجزات. وعليه، فقد كانت الحركة الحرّة تمثل كلّ شيءٍ في تلك الحقبة لدى البشرية التي حقّقت مجتمعيتها على شكل قبائل. كانت هنالك الحركة فحسب. والتي بدورها كانت حرةً وسالبةً للعقول.
كانت الحياة تنسج وتنظّم حول المرأة الأم. بالتالي، كانت المعجزات تنسب إلى المرأة الأم، فساد الاعتقاد بألوهية المرأة ضمن هذا الإطار. أي إنّ ألوهية المرأة لم تكن صعوداً مكتسباً بالقوة الفظة. بل كانت رقياً ذهنياً معنياً بتحقيق الحياة وتبنّيها. لقد كان المجتمع النيوليتيّ ينجز على يدي المرأة الأم، وفي قلبها، وداخل ذهنها. فكلّ الاكتشافات والاختراعات المتعلقة بالزراعة وعالم الحيوان كانت تحمل ختمها. وتتجلى هذه الحقيقة في أول ملحمةٍ نصّت –ولو متأخراً– على الصراع الذي شنّته إينانا إلهة أوروك (أول مدينةٍ مشادة) ضد الإله أنكي (أول رجلٍ نهّابٍ وماكر)؛ مقارعةً إياه من أجل القيم التي سمّتها بـ”اكتشافاتي واختراعاتي المئة والأربعة”. فباعتبار أنّ الإلهة الأنثى ما تزال حامية أول مدينةٍ في وجه أول حالة تمدن، فإنّ مصارعة تلك الإلهة الأنثى حيال ألوهية الرجل تتضمن معانٍ غائرة. إذ تتطرق إلى قوة الثقافة المجتمعية للمرأة الأم، وإلى حركتها وتصدّيها للمدنية.
من الصعب تفسير ثقافة المرأة الأمّ بعقلية المدنية الذكورية السلطوية الراهنة. فهذه الثقافة واقع ممتدّ على مدى آلاف السنين. وتصاعد نظام المدنية المركزية المعمّرة أكثر من خمسة آلاف عام كنظامٍ ذكوريٍّ مسيطرٍ على الدوام، إنما يبرهن هذه الحقيقة القائمة. وبما أنّ كلّ شيءٍ يتطور في المجتمع مع نقيضه، مثلما الحال في الطبيعة؛ فإنّ تصاعد الذكورية المتسلطة لنظام المدنية لا يمكن أن تجد معناها، إلا بوجود نظام المرأة الأمّ المقتدرة
.

إنّ ثنائيـة الـذات و الموضـوع، التـي تحكـم كـل مجـالات الوجود الاجتماعي، وهي العلاقة في مـستويات التفاعـل الـتي تأخـذ أشـكال الـصراع و التوافـق لتنـتج باسـتمرار الحيـاة ّ الفردية و الجماعية في الآن ذاته ، و التي تتجلى في مختلف الظواهر الإنسانية و الاجتماعية والتفاعلية وجدلية العلاقة بين الإنسان والطبيعة. لقد تبدّت ثنائية الذات–الموضوع أولاً في المجتمع السومريّ. وقد ظلّ هذا الواقع يعني الاشتباك مع المجتمع القبليّ ذي السيادة الأمومية (الكرد الأوائل) لحقبةٍ طويلةٍ من الزمن. وبالفعل، ما فتئت المجموعات النيوليتية القبليّة المرتكزة إلى سلسلة جبال طوروس–زاغروس تجد نفسها في حالة حراكٍ دائمٍ ضد هذه المدنية طيلة تاريخ المدنية السومرية. أي إنّ القبيلة ليست اتحاداً مبنياً على علاقات القربى وأواصر الدم المحضة كما تدّعي السوسيولوجيا الغربية. بل هي وحدة معنية بالإنتاج والتوالد والدفاع عن الذات ضد المدنية. واستمرت هذه المرحلة التي بدأت فيما بين أعوام 5000–4000 ق.م حتى يومنا الحاليّ. فرغم نموّ القوى الهرمية والمتواطئة مع المدنية بين طواياها، إلا إنّ المجموعات القبليّة صانت طبائعها ومزياتها الأساسية. أي إنّ القبائل هي وحدات المجتمع الأكثر إثماراً وإحرازاً للمكاسب، والتي يتحقق فيها الدفاع الذاتيّ والإنتاج والتوالد. أما الجانب الطاغي على وعي القبيلة وحركتها، فهو الوعي والحراك التشاركي التقليديّ، الذي لا يترك مجالاً للتمييز بين الذات والموضوع. من هنا، ورغم حملات التحضر والمدنية الجارية في جوارها، إلا إنّ تلك القبائل صانت وعيها وحراكها الجماعيّ هذا، ونمّته. وكلما تطورت الهرمية وترسخ التواطؤ مع المدنية، أضحى لا مهرب من تنامي التمييز بين الذات والموضوع في أحشاء الوعي والحراك القبليّ الذي تغير اشكاله وصيغه حتى يومنا هذا.
المزدائيّ:
ومقابل حراك الوعي هذا، والذي يعكس الهيمنة الأيديولوجية السومرية، فقد تصاعدت حركة مزدا العقائدية الاستحداثية جنباً إلى جنبٍ مع ثقافة الإلهة الأمّ التقليدية (ثقافة الإلهة ستار). إذ يستند النظام المزدائيّ العقائديّ إلى ثنائية قوى النور–الظلام. ويصل مضمونه إلى مستوى الثنائية الجدلية، فيعكس مدى بلوغه وعي حركة الأطروحة–الأطروحة المضادة الدياليكتيكية اللازمة من أجل النشوء والتكوّن. وهو بجانبه هذا حركة متقدمة بمسافاتٍ شاسعةٍ على ثنائية الإله الخالق–العبد المخلوق الفظة التي ابتدعتها الميثولوجيا السومرية. تتّخذ العقيدة المزدائية من الدياليكتيك الكونيّ أساساً في فحواها. ومثلما أنّ أيديولوجية الإله الخالق والعبد الشيء المخلوق لا تعبّر عن الواقع الكونيّ، فقد مهّدت السبيل ولأول مرةٍ أمام تحريفٍ يستعصي إصلاحه في الوعي البشريّ. إنّ حركة الوعي هذه، والتي تركت بصماتها على كافة الأديان، وبالأخصّ على الأديان التوحيدية؛ تشكّل أرضية الحركات الذهنية المرتكزة إلى الفصل بين الذات والموضوع، الذي بلغ يومنا الحاضر. هذا وإلى جانب الطاوية في الصين وبعض أشكال الوعي المختلفة في الهند، يمثّل الوعي المزدائيّ ذهنيةً مختلفةً يستمرّ البحث فيها دوماً عن تطوير دياليكتيك خلق الذات بالذات، عوضاً عن ثنائية الخالق–المخلوق.
الزرادشتية:
أما الحركة (والوعي) الزرادشتية، التي هي امتداد لشكل العقيدة (والوعي) المزدائيّة، فقد مكّنت من نشوء أخلاق الإنسان الحر. فالعقيدة الزرادشتية هي أول شكلٍ للوعي والحركة اللذين يسائلان الربّ الخالق. فمقولة “قل من أنت؟” المتأتية من التقاليد الزرادشتية إلى يومنا، تشكّل صلب الفلسفة التي تسائل الربّ الخالق. وقد قامت المدنية الإيونية، التي انتهلت هذه الفلسفة من الميديين، بتطويرها أكثر؛ راصفةً بذلك أرضية الفكر الذي ترك بصماته على عصرنا. إذ أفسح المجال أمام الإنسان الناضح بالحرية، مع تصاعد شكل الفكر الدياليكتيكيّ المنقطع عن الآلهة والمعتمد على قوة الإنسان الذاتية. أما تغلّب الميديين على المدنية الآشورية الجائرة المنحدرة في أصولها إلى المدنية السومرية، فيعدّ خطوةً تاريخيةً كبرى. وحركة الوعي الأخلاقيّ والسياسيّ تلك، التي عمّرت ثلاثة قرونٍ على وجه التقريب، كانت مؤثراً رئيسياً في إلحاقهم الهزيمة النكراء بالآشوريين. وهذا التطور التاريخيّ هو الذي فتح الطريق أيضاً أمام المدنية الإيونية. أي أنّ نجاح كلتا الحركتين بترك بصماتهما على مسار التاريخ في أعوام 600 ق.م لم يك محض صدفة. ومن غير الممكن استيعابهما بمنوالٍ صحيح، إلا في حال تناولهما معاً.
و في التقاليد الزرادشتية، فيتمّ التمرد على وضع العبد. ويعمل من خلال مساءلة مصطلح الإله على سدّ الطريق أمام الفصل الصارم بين الذات والموضوع. فتدنو بذلك من مصطلح الإنسان الحر، ولو بحدود. فالإنسان هنا لا يشعر بالحاجة إلى الإله. بل هو قادر على الحراك بموجب أخلاق الحرية. كما يجري تمكين استقلال الثقافة الفلسفية ضمن الثقافة الإيونية بتطويرها للتقاليد الزرادشتية أكثر. فبينما يصبح الإنسان نفسه ذاتاً فاعلة، فإنّ الموضوعية تعكس بدورها على الطبيعة. أي أنّ قرينة “الإنسان الذات–الطبيعة الشيء” تحلّ محلّ قرينة “الإله الذات–العبد الشيء”.
تأثر حركات الوعي والحضارة الكردية:
ولقد تكبّدت حركات الوعي الحرّ أيضاً ضرباتٍ قوية، مع تدنّي منزلة عناصر الكرد الميديين إلى المرتبة الثانية تحت ظلّ سيطرة الحركتين الإمبراطوريتين البرسية والساسانية. فساد الانغلاق على صياغات الوعي العشائريّ والقبائليّ البدائية الأكثر تخلفاً. فكلما تحوّل الوعي والعقيدة الزرادشتيّة إلى وسيلة دفاعٍ عن الإمبراطورية، كلما فقدت مضمونها المنادي بالحرية وتفسّخت. وقد انعكس هذا الوضع في انتصار الإسكندر (330 ق.م). كما لعبت الفلسفة الإيونية، التي وجدت أقوى أشكال تجسيدها لدى أرسطو، دوراً مصيرياً في إحراز هذا النصر. أما سياق المدنية الهيلينية الصاعدة لاحقاً (300 ق.م–250م)، فهو على علاقةٍ قريبةٍ بشكل الوعي المتفوق للفلسفة الإيونية. وقد استطاع وعي هذه المرحلة التي تحقّقت فيها تركيبة الشرق–الغرب الجديدة لأول مرة، أن يترك بصماته على كافة الأشكال العقائدية والفكرية البارزة فيما بعد. وما لا شائبة فيه هو أنّ صعود روما واكتساب ثقافة الإمبراطورية فيها لمعناها قد تحقّقا بحذوهما حذو تلك العقائد والأفكار. أما مدنيات كوماغانه (مركزها أعلى نهر الفرات) والأبغار (مركزها أورفا–أواسط نهر الفرات) وتدمر (مركزها تدمر–أسفل نهر الفرات)، التي هي على علاقةٍ وثيقةٍ مع مقومات الحضارة الكردية في تلك الحقبة؛ فتدلّ على أبّهةٍ محدودة. إذ تتصدى سويةً لروما، وتثابر على نهوضها بحركات الوعي من خلال وفاقاتٍ موفّقةٍ في آنٍ معاً
المانوية:
أما المانوية، التي هي حركة ووعي تنويريان هما الأرقى منزلةً بعد الزرادشتية، والتي تنامت كردّة فعلٍ ضد نظام المدنية المهيمنة (خلال أعوام 250م)؛ فبسطت نفوذها إلى حدٍّ كبير. ولربما كانت ستفسح السبيل أمام ثاني حركةٍ تنويريةٍ عظمى في الشرق الأوسط قبل أوروبا، لو أنه لم يقض على ماني من قبل الأباطرة الساسانيين. فقد جمع ماني الفلسفة الإيونية والعقيدة المسيحية والتقاليد الزرادشتية في تركيبةٍ جديدة، لينجز بذلك أعظم إصلاحٍ فكريٍّ وعقائديٍّ في عهده. انتشرت هذه الحركة، التي انطلقت من ضفاف نهر دجلة في غضون فترةٍ وجيزة، من روما حتى وادي الهندوس. لكن، ونظراً لعدم سماح تقاليد الإمبراطورية الساسانية الرثة والمتضعضعة لها بالتطور (إذ سلخ جلد ماني ثم أعدم في 276م)، فقد ذهبت هذه الفرصة التاريخية أدراج الرياح. أو بالأصحّ، إنها عجزت عن اتخاذ مكانتها التي تستحقّها، وعن طبع الزمان بطابعها.
أول تمييزٍ بين الذات والموضوع مع السومرين:
رصفت أرضية التمييز بين الذات والموضوع مع صعود الحضارة المدينية والطبقية والدولتية. فكلنا نعلم أنّ الكهنة في المدنية السومرية، التي هي أول مدنية، قاموا بتطوير أول تمييزٍ بين الذات والموضوع بناءً على الفصل بين الآلهة وعبادهم. فمصطلحا الإله والعبد يرتكزان إلى تحكّم المدينة بالريف، والطبقة العليا بالطبقة السفلى، والدولة بالمجتمع؛ ويستندان إلى تأسيس الاحتكار للاستيلاء على فائض القيمة. إنه الشكل البدائيّ والميثولوجيّ للتمييز بين الذات والموضوع. وفي هذه الحال، تصبح الميثولوجيا أول علمٍ أو وعيٍ يعتمد على التمييز بين الذات والموضوع. أما مصطلح الإله–العبد في شكل الوعي الذي ولد كردّة فعلٍ على الميثولوجيا السومرية والمصرية، والذي سمّي بتقاليد النّبوّة في ثقافة الشرق الأوسط؛ فيعمل على زيادة توطيد الفصل بين الذات والموضوع إلى حدٍّ ما. فالإله هنا بمثابة الذات، بينما العبد بمثابة الموضوع. لكنّ ما يختلف هنا عن الميثولوجيا هو أنّ صفة العبد قد طوّعت أكثر قليلاً، بحيث جرى الاعتراف للإنسان العبد بإمكانية الحراك، ولو بشكلٍ جدّ بسيط
.

ولكن، تعاد الكرّة في العصور الوسطى بالرجوع إلى ثنائية الذات–الموضوع متجسدةً في الإله–العبد، وتصاغ الفلسفة اللازمة لذلك. أما في المسيحية والإسلام، فتطرح ثنائية الإله–العبد في هيئة دينٍ فلسفيّ.
المسيحية والسريان:
لم تتطور المسيحية إلا على خلفية إنكار فلسفة التنوير الأولى (الفلسفة الإيونية) ورفضها وترويج التشاؤم بحقّها. أي إنها حركة وعيٍ متشائمٍ وسلبيّ. حيث تعبّر عن وعي التشاؤم واليأس من الجور والمخاضات التي تسببت بها السيطرة الرومانية. وبالرغم من إشارتها إلى فترةٍ جديةٍ من التراجع والانحسارٍ على صعيد الفلسفة التنويرية، إلا أنها باتت تدلّ على إحراز التقدم الباهر من ناحية حركة المقهورين الجمعية. لذا، فهي تمثّل الشكل البدائيّ الباكر جداً للوعي الطبقيّ. في حين أدى تحوّلها إلى أيديولوجية الإمبراطوريات والممالك (300م) إلى إضاعتها ماهيتها هذه.
كان الرهبان السّريان (الرهبان المسيحيون ذوو المشارب الآشورية) موفّقين أكثر مقارنةً بالمانوية والزرادشتية. فحركة ووعي الرهبان السريان قد ختمتا المنطقة بمهرهما إلى حين ظهور الحركة والوعي الإسلاميّ. حيث طوّروا حركة وعيٍ وطيدةً فيما بين 300–600م، وشكّلوا المجموعات المسيحية، بدءاً من البحر الأبيض المتوسط ووصولاً إلى أعماق الهند والصين.
أما الوعي الكرديّ، فلم ينقطع تماماً عن الزرادشتية في هذه الفترة، ولم يتبنّ المانوية، ولم يقبل الرواد السّريانيين أيضاً. بل حافظ الكرد على أشكال وعيهم البدائية المنحلّة. فالأيديولوجيا القبليّة التقليدية المتخلفة عن عصرها بمسافاتٍ لا يستهان بها، كانت بالكاد قادرةً على صون الوجود القبليّ. بالتالي، تخلّف الكرد في تلك الفترة عن مواكبة التطور الذي أحرزه المجتمعان الأرمنيّ والآشوريّ اللذان يتشاركان معهم العيش بالتداخل. فبينما طوّر الوعي المسيحيّ المجموعات ذات الأصول الأرمنية والآشورية على شكل شعوبٍ أكثر رقياً وتكاملاً، فإنّ أشكال الوعي البدائيّ زادت من تقوقع المجموعات الكردية على داخلها أكثر، وأبقت عليها في مرتبةٍ تحافظ فيها على وجودها بشقّ الأنفس. أي إنّ العقم الأيديولوجيّ قد سدّ الطريق أمام التطور الاجتماعيّ، وآل إلى الأزمة.
الإسلام:
تمّ النفاذ من أزمة الوعي في العصور الأولى عن طريق الإسلام، الذي يعدّ آخر حركة وعيٍ ومجتمعيةٍ كونيةٍ ذات بعدٍ دينيٍّ في الشرق الأوسط بعد اليهودية والمسيحية. وربما يعبّر شكل الوعي الإسلاميّ عن أكثر أشكال الوعي الشرق أوسطيّ خلطاً ومزجاً وتوفيقية، بالرغم من تقديم نفسه كوحيٍ إلهيٍّ مستحدثٍ للغاية. إذ تتستر في جذوره آثار كافة أشكال الوعي القديمة التي تعرض نسقاً خليطاً، بدءاً من الأرواحية وحتى الخالق الواحد الأحد. نخصّ بالذّكر الصياغات الميثولوجية السومرية والمصرية، والتي تتسم بتأثيرٍ نافذٍ من خلال الأديان الإبراهيمية. أي إنه النسخة الثالثة للصياغات الميثولوجية بعد اليهودية والمسيحية. لكنه لا يحمل آثار تلك الصياغات والنّسخ فحسب، بل ويشتمل بنسبةٍ مهمةٍ على آثار فلسفتي زرادشت وأفلاطون–أرسطو. كما يجب إضافة تأثير الأديان التوثينية التقليدية أيضاً إلى ذلك. هذا ويعزى أحد أهمّ أسباب التوسع السريع للإسلام كدينٍ إلى طرحه نفسه بصياغة الوعي الخليط للغاية. وبذلك، يغدو بمقدور كلّ مجموعةٍ أن تطرح تفسيراً متوافقاً معها فتتمثّله. وهذا ما كان سيحصل فعلاً. وكأنه دواء لكلّ داء.
يشكّل هذا الوضع المختلف للوعي الإسلاميّ نقطة ضعفه الأساسية في الوقت عينه، حيث يجرده من خصوصيته. ذلك أنّ كونيته السافرة قد أضعفت مزاياه الانفرادية، وفتحت الطريق أمام مخاطر تحوله إلى مجرد طقوسٍ بسيطة. فغدا بجانبه هذا أقلّ عطاءً من اليهودية والمسيحية. وصار كيساً من الوعي أشبه بقصصٍ وحكاياتٍ متبعثرةٍ أكثر منه صياغةً لتطوير المعنى ولتحقيق نماءٍ فكريٍّ دياليكتيكيٍّ في هذا المنحى. ولكيس الوعي هذا نصيبه الكبير في بقاء المجتمعات المسمّاة بالإسلامية متخلفة. بينما الوضع مغاير في وعي اليهودية والمسيحية. فاليهودية تحافظ دائماً على تفوقها الأيديولوجيّ، بإنتاجها المستمرّ للمصطلحات من أحشاء ألوهيتها. وتكوّن المسيحية مجموعاتٍ أكثر عينيةً مع تنظيم الكنيسة الصارم. فانغلاقها السافر على العلمانية يستجلب العلمانية والدنيوية ويؤدي إليهما. فبحكم الدياليكتيك، وبتأثيرٍ من كلا الديانتين، فإنّ أوروبا في العصور الوسطى لا تلاقي الصعوبة في تطوير صياغات الوعي والفكر الدنيويّ والعلمانيّ في آن. أما ما أفضى إلى حركة الحداثة الأوروبية، فهو الدوغمائية المتصلبة الموجودة في كلا الديانتين. فالوعي الدوغمائيّ يصبح بلا جدوى، لدرجة أنّ ولادة صياغاتٍ جديدةٍ وبنحوٍ مضادٍّ تغدو أمراً لا مفرّ منه. لكن، ومع ذلك، ينبغي الإدراك على أتمّ صورةٍ أنّ كلا شكلي الوعي الدينيّين قد أدّيا دوراً معيّناً في حركة المدنية الأوروبية. وإلا، فلن نستطيع تعريف أو فهم أشكال الوعي المعاصر والحركات الاجتماعية في أوروبا بنحوٍ سليم.
خطّ الإسلام مساراً مختلفاً. إذ حمل في بنيته العديد من عناصر الدنيوية والعلمانية، إلى جانب الأفكار والعقائد الخليطة. فطرحه لذاته على أنه دين دنيويّ وأخرويّ في آنٍ معاً، قد أتاح المجال أمام وقوعه في المفارقة ومعاناته من العقم داخلياً. فالجدل الفلسفيّ المحتدم فيما بين القرنين التاسع والثاني عشر، والذي يمكننا تسميته بالنهضة الإسلامية، قد انتهى على حساب الفلسفة، وليس لصالحها كما حصل في النهضة الأوروبية. لذا، فما تبقّى كصياغةٍ أيديولوجيةٍ هو “ظلّ” رمز الإله–الملك القائم منذ عهد السومريين. أما أنظمة السلطنة والإمارة الاستبدادية التي تحصّنت بهذه الرموز، فلم تتعدّ في أدوارها تقديم أمثلةٍ لا حصر لها من الدوغمائية المتزمتة والسلطة المزاجية منذ القرن الثاني عشر وحتى يومنا. وبينما شهدت أوروبا، بل والصين أيضاً، تطوراتٍ مهمةً خلال تلك القرون؛ فقد تخبّطت المنطقة الأمّ للتطورات التاريخية في معمعان أكثر المراحل تراجعاً، لتبدي عجزها عن الخلاص من التبعثر والتناثر في وجه الحداثة الرأسمالية مع حلول القرن التاسع عشر. ورغم محاولات إعادة تفسير وبناء الوعي الإسلاميّ في فترة التناثر تلك، إلا إنها كانت بعيدةً عن التحلي بماهية الإصلاح الحقيقيّ. بل ولم تشهد إصلاحاً حتى بقدر المسيحية. وبعدم تعرّفها على الثورات الفلسفية والعلمية، بات لا مفرّ من التشتت والانهيار. في حقيقة الأمر، تعمل بحوث الإسلام الجديدة، التي لا تتخطى التحديث في معناها، على إلحاق نفسها بالرأسمالية. وهي بعيدة كلّ البعد عن الإبداع والخصوصية.
الوعي الإسلاميّ الكرديّ و الوعي العشائريّ والقبليّ الكردي:
مهما بقيت المجموعات الكردية في حالة مقاومةٍ طويلة المدى إزاء الإسلام، إلا إنّ شريحتها العليا جلبت معها تحوّلاتٍ جذرية، بانتزاعها فرصة اعتلاء السلطة مع الإسلام بصياغته السّنّيّة. وهكذا سادت مجتمعية ثنائية الاتجاه. ففي الحين الذي كوّنت فيه الشريحة العليا مجتمعاتها الإماراتية، وأكثرت منها كالتيهور وكأنها تنجز ثورةً إقطاعية؛ أمسى لا مهرب للشريحة السفلى والشرائح الجبلية من الانكباب على الطرائق والمذاهب كضربٍ من ضروب تنظيم الدفاع الذاتيّ في وجه ظلم السلطة واستغلالها، وكنوعٍ من إنجاز التطور الاجتماعيّ في هذا الاتجاه. أي إنّ صياغات الوعي الإسلاميّ المختلفة والمجذّرة للانقسام الطبقيّ، كانت تعكس ذاتها في هيئة المذاهب والطرائق الدينية. بمعنى آخر، فصياغات الوعي التي جرى ولوجها لدى تجاوز أشكال الوعي العشائريّ والقبليّ، كانت تتجسد لدى الشريحة الهرمية الفوقية في الإسلام السّنّيّ على اختلاف مذاهبه؛ بينما تجسدت لدى الشرائح التحتية في مختلف الطرائق الصوفية تتصدرها الطريقة العلويّة والدين اليارساني وغيرهم. وبينما طوّرت كردايتية الإمارة السّنّيّة نفسها على حساب الشرائح التحتية، فقد كانت من الجانب الآخر على صراعٍ مركّزٍ ومتوالٍ مع أشكال وعي تلك الشرائح. فكان الصراع الطبقيّ يستمرّ تحت غطاءٍ دينيّ. بالمقابل، كانت العلويّة والكردايتية الصوفية تصيّر نفسها تنظيماتٍ سياسيةً وعسكريةً مراراً وتكراراً، منتقلةً بذلك إلى وضعية الدفاع. لكنّ وحدة المجتمع وتراصّ صفوفه كانت تتكبد أضراراً جسيمةً وتجترّ آلاماً مريرةً جراء تلك الاشتباكات والانقسامات. أما إنهاء هذا الوضع، فإما كان يعلّق على آمال الدنيا الآخرة، أو على قيام نظامٍ ملكيٍّ وطيدٍ وموحّد. وكانت البحوث والصياغات الأيديولوجية في هذه الوجهة ستتعزز أكثر فأكثر ضمن كردايتية العصور الوسطى.
سعت بحوث وأشكال الوعي لدى إدريس البدليسيّ (القرن السادس عشر) وأحمدي خاني (القرن السابع عشر) وهو من أشهر أدباء الأمة الكردية في العصور الوسطى إلى تلبية آمال المجتمع الكرديّ في هذا المضمار. مقابل ذلك، انشغل الشخص المسمى “صفيّ الدين”، الذي ينتمي إلى سلالة شيخٍ كرديّ، مع مر ور الزمن بريادة حركة “قزل باش” الشيعية. لكنّ هذه الحركة كانت ستنتهي في آخر المطاف إلى الإمبراطورية الصفوية، التي هي سلالة سلطوية جديدة. وفي الحين الذي عمل فيه مؤلّف “شرف نامه” لشرف خان البدليسيّ على سرد تفسير الإمارة والملكية الكردايتية (نهايات القرن السادس عشر)، فقد انعكفت الطرائق الدينية كالقادرية والنقشبندية على الدفاع عن المجتمع الذي بقي خارج إطار السلطة. وبينما بحثت الشريحة الكردية الفوقية عن الحامي الأنسب لها من بين الصفويّين والعثمانيّين، فقد وجد أحمدي خاني الحلّ الجذريّ في “مملكة كردستان الكبرى”.
للمدارس الدينية أيضاً حيزها الواسع في الوعي الإسلاميّ الكرديّ. فلطالما تشكّلت شريحة راسخة من الكرد المثقفين في كلّ الأزمان. واستحوذ أغلبهم على أماكنهم داخل القصور العربية والفارسية والتركية. وبالإضافة إلى اهتمامهم بالكردايتية، إلا إنّ هذا الاهتمام ظلّ محصوراً بطابع السلطة التي تبعوا لها. بينما ما فتئ الوعي العشائريّ والقبليّ مثابراً على وجوده طيلة العصر الوسيط أيضاً. إذ كانت العشائر والقبائل المتعاظمة والمتزايدة بمثابة النبع الذي تقتات عليه كردايتية الإمارة والطرائق الدينية. لم يسعد الوعي الإسلاميّ المجموعات الكردية، ولم يستطع تحويلها إلى مجتمعٍ نمطيٍّ بقدر ما فعلته المسيحية. لكنه حوّلها إلى عددٍ جمٍّ من المجموعات الطرائقية التي باتت تعلّق آمالها على الدنيا الآخرة كلما ازداد اغترابها عن نفسها. ومن غير الوارد التعويل على وجود أو إنشاء مجتمعٍ معطاء من أشتات أجزاءٍ متناثرةٍ وغريبةٍ عن ذاتها. ومع وصولنا مطلع القرن التاسع عشر، فإنّ صعود البيروقراطية المركزية تحت ظلّ الحداثة الرأسمالية، ورواج الضرائب، والخدمة العسكرية كان سيفسد وضع الكرد الذي ساد في العصور الوسطى. فكلما جهدت الإمارات الكردية والطرائق الصوفية على الدفاع عن مكانتها إزاء هذا الوضع، كلما كانت الاشتباكات والصّدامات ستغدو أمراً لا ملاذ منه، وكان المجتمع التقليديّ سيلج بذلك أزمةً غائرةً وفوضى عارمة.
الرأسمالية:
يلعب “المنهج العلميّ” دوراً مهماً في تصيير الرأسمالية نظاماً عالمياً. وفي هذا الأسلوب الجديد، الذي يعتبر كلّ من روجر، فرانسيس بيكون، وديكارت رواداً له، يتم التمييز بعنايةٍ فائقةٍ بين الذات والموضوع. في حين، لم يكن للذات والموضوع مكان بارز في الأسلوب الدوغمائي القروسطيّ، بل تميزا بوظيفةٍ خافتةٍ كالظّل.
جرى الانتقال بالتمييز بين الذات والموضوع عن طريق أوروبا الغربية (ديكارت، سبينوزا) من حالته المنتصفة القائمة في العصور الأولى والوسطى إلى حالته الأكثر مهارة. فبينما شيّئت الطبيعة بحالاتها الثلاث، أي الفيزيائية والبيولوجية والمجتمعية، فقد عرض الإنسان في هيئة ذاتٍ فاعلةٍ تامة، بعدما أجلس مكان الإله. هذه الثورة الذهنية، هي التي أعدّت الأجواء للحداثة الرأسمالية أي للنظام العالمي المهيمن، وأضفت عليها صبغة الشرعية. ذلك أنّ الذاتية المطلقة للإنسان والشيئية المطلقة للطبيعة تتيحان الفرصة للنظام الرأسماليّ كي يغدو مهيمناً. وهذه الفرصة التي لم تفسح أمام الرأسمالية في أيّ عصرٍ من عصور المدنية، لا تؤمّن إلا على خلفية المعادلة القائمة بين ذاتية الإنسان المطلقة وشيئية الطبيعة المطلقة. إذ يناط الإنسان بدور الإله كلياً في هذه القرينة. في حين أنّ الطبيعة بحالاتها الثلاث بمثابة موضوعٍ شيئيٍّ مسخّرٍ تماماً لخدمة الإنسان–الإله.
نستطيع القول أن الحركات الاجتماعية أحداث متعلقة بالوعي. فحتى الحركات التلقائية يستحيل فعلها من دون وعيٍّ بدائيّ. وعندما يكون المجتمع موضوع الحديث، فإنّ الوعي والموضوعية الشيئية يتّخذان حالةً أكثر خصوصية. فما يمكّن من الحركة بمعناها الكونيّ هو تحوّل الكائن، الذي نطلق تسمية الطاقة عليه، إلى حالاتٍ مختلفةٍ دياليكتيكياً. الطاقة بذات نفسها لغز غامض. لكننا نعلم أنّها بتحوّلاتها تولّد الحركة، أو بالأحرى تؤمّن النشوء. كما نعلم أنه لا حركة من دون وجودٍ وزمان. واتّسام اللغز المسمّى بـ”الطاقة” باكتساب السرعة في الزمان وبقطع المسافة في المكان، إنما يعني “الحركة”. وهذا بدوره ما يعني النشوء والوجود. ولدى تقييمنا للفترة الممتدة من التطور الحاصل منذ الانفجار العظيم الأول المزعم حصوله (بيغ بانغ) إلى حين تكوّن المجتمع البشريّ، فسنلاحظ أنّ المجريات الحاصلة هي عبارة عن حالاتٍ مختلفة من الطاقة. إننا نتحدث عن تكوين الكون لنفسه بنفسه على مسار الطاقة. وبدءاً من العلوم الفيزيائية إلى البيولوجية، فقد صاغت العديد من العلوم بعض التعاريف العلمية المهمة في هذا الشأن. ولجميعها أواصرها مع تحوّل الطاقة إلى مادة. ولكي يكون العلم ممكناً على صعيد الذهنية والأساليب الغربية بأقلّ تقدير، فقد توجّب الفصل بين الذات والموضوع. من هنا، فنظام المدنية الغربية على علاقةٍ كثيبةٍ مضموناً مع التقدم العلميّ المستند إلى التمييز بين الذات والموضوع. كما يعتمد تاريخ الحداثة الرأسمالية على تحوّل الأسلوب الذهنيّ والعلميّ المرتكز إلى التمييز بين الذات والموضوع إلى قوةٍ مهيمنةٍ باعتبارها سبيل الحقيقة المطلقة. إذ ما كان للحداثة الرأسمالية أن تصبح هيمنةً سائدة، من دون تكريس الفصل الجذريّ بين الذات والموضوع، سواء وعياً أم ممارسة. والحال هذه، فإنّ البحث في الحركات المستندة إلى التمييز بين الذات والموضوع يتسم بالأهمية البالغة.
الدولة القومية:
وبالطبع، تعلن الذات المطلقة إفلاسها في نهاية المآل مع الدولة القومية، التي تؤمّن الاتحاد الأقصى بين مكونات الحداثة الرأسمالية الثلاثة الأساسية. ذلك أنّ الإنسان الذات، الذي بلغ ذروته مع فلسفة هيغل، لم يكمل مسيرته إلا بعد إحلاله محلّ الإله تزامناً مع الدولة القومية. فتعرّف مغامرة الوعي المطلق على أنها الألوهية الجديدة متمثلةً في الإنسان الحرّ المتميز بالوعي الأقصى في كنف الدولة القومية. ولدى تحليل الدولة القومية بكافة أبعادها التاريخية والاجتماعية، فسيرى أنّها تشكّل أعلى مراتب الألوهية، وأنّ المواطنة فيها تجسد أعلى مراتب العبودية. أو بالأصح، تعبّر مراتب الذاتية في أيديولوجيات الألوهية لتاريخ المدنية عن نفسها ضمن الدولة القومية متجسدةً في أكفأ أشكال الألوهية. بينما تعبّر أيديولوجية العبودية الشيئية عن نفسها في هيئة المواطن–العبد.
كما أن ألوهية الدولة القومية، التي وجدت تمثيلها في شخص هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد اعتبرت بعد الحرب مسؤولةً عن موت ما يناهز الخمسين مليون شخصاً، وبوشر بمساءلتها. في واقع الأمر، فقد كانت اعتبرت خطراً جدياً وانتقدت من قبل بعض الفلاسفة (نيتشه مثلاً) حتى عندما كانت في أوجها. في حين أسقط القناع عنها في النصف الثاني من القرن العشرين، فتبدّى جلياً أنها أشدّ الآلهة قتلاً وفتكاً. وسرى تحليلها مع انحلالها جنباً إلى جنب. إذ تشير الدولة القومية إلى هذه الحقيقة، حينما بدأت بالتهاوي وهي في أوجها في أعوام السبعينيات. وعليه، كان لا بد من انهيار النظام أيضاً، لدى انهيار أمتن دعائم الحداثة الرأسمالية. وعندما سقط قناعها كإله حرب، اتّضح أيضاً مدى كون تلك الألوهية طبيعةً شنيعةً ومعاديةً للإنسان بوصفها إله المال. كما وبرهن كفايةً أنها (بأساليبها الافتراضية) نهب فريد من نوعه في التاريخ، وأنها قوة حقيقية تحقّق تقويض المجتمع وتدمير البيئة الطبيعية. أما تحوّلها إلى قوةٍ افتراضية، فيجب تقييمه على أنه الخلاصة الشفافة لتاريخ المدنية. إنّ هذا الوضع يعني إسدال الستار عن جميع الألوهيات المقنّعة، وتجلّي طبائعها الحقيقية للملأ.
الأسلوب العلمي:
إن أوروبا الغربية التي شهدت صحوتها مع النهضة، قد فتحت آفاق عصرٍ جديدٍ في مظهر الذات والموضوع، بالترافق مع ثورة التنوير الفلسفيّ وتحقيق الإصلاح في المسيحية. هكذا غدت ذاتية الإنسان وموضوعية العالم تشكلان حجر الزاوية بصفتهما عاملين أوليّين في الحياة. في حين، تتهاوى أهمية الأسلوب الدوغمائي العامل أساساً بكلام الرب، إلى جانب تدني الأخلاق.
أو بالأحرى، يتم الانتقال من عصر الملوك المتسترين والآلهة المقنّعة القديمة إلى عصر الملوك العراة والآلهة غير المقنّعة. وطراز الاستغلال الرأسماليّ بات المحفّز الأساسيّ المؤدي إلى ذلك الانتقال. فالاستغلال المتحقق باسم الربح، يستدعي تغيير وعي المجتمع من جميع المناحي بالضرورة. تعدّ هذه الضرورة المؤثّر الأسّ الذي أفضى إلى ولادة “الأسلوب العلمي”.
لقد باتت الإنسانية والطبيعة وجهاً لوجهٍ هنا أمام أقصى درجات الاستغلال. وسوف يعاد إنشاء ضمير (خلق) المجتمع بإطراء تغييرٍ ذهنيٍّ شاملٍ عليه، لأنه لن يقبل الاستغلال بسهولة. لذا، سيقع الدور الأكبر على عاتق “الأسلوب العلميّ” كسبيلٍ أساسيٍّ صائب. الكل على علمٍ كيف مرّ ديكارت بمرض التشكيك الأكبر بكلّ شيء، في سبيل تحقيق تحوّلٍ جذريٍّ متأصلٍ في هذا الخصوص بالذات، فلجأ إلى مقولته الشهيرة “أفكر، إذن أنا موجود”. ومعلوم أنّ بيكون وأتباعه أبدوا عنايةً فائقة بـ”الموضوعية”. وبينما فتح الأول الباب على مصراعيه لإمكانية تفكير الفرد بشكلٍ مستقل، فقد أشهر الثاني وأتباعه الأبواب أمام إمكانية تصرّف الفرد بـ”المادة الشيء” كيفما يشاء.
لا بد من إعادة التعريف والشرح الشامل لمصطلح “الموضوعية” الذي يرتكز إليه الأسلوب العلمي. ففيما عدا الفكر التحليلي، فتعريف كلّ الطبيعة بأحيائها وجمادها على أنها “مادة شيء”، بما في ذلك جسد الإنسان؛ قد لعب دور المفتاح في استغلال الرأسمالية للطبيعة والمجتمع، وتحكمها بهما. ذلك أنه من غير الممكن تحقيق التحول الذهني اللازم للعبور نحو العصر الحديث، من دون تجذير التمييز بين الذات والموضوع، وإضفاء طابعٍ شرعيٍّ كبيرٍ على ذلك. وبينما تكون الذات الفاعلة العامل الشرعيّ الأكثر تداولاً وقبولاً في الفكر التحليلي، فإن الموضوع الشيء يعتبر عنصراً “مادياً” ملموساً يمكّن من القيام بكلّ أنواع المفارقات والإشاعات. بمعنى آخر، فهو يمثل “الموضوعية الشيئية”.
الصراع الحقيقي:
ولقد نشبت صراعات مريرة بسبب هذا التمييز. إذ يجب عدم تقييم الصراع بين الكنيسة والعلم كمجرد نزاعٍ على “الحقيقة”. حيث تستتر نضالات اجتماعية عظمى وراءه. فما حصل هو بأحد معانيه ضرب من ضروب الصراع بين المجتمع القديم المشحون بالأخلاق، وبين المجتمع الرأسمالي العاري الساعي لنزع الستار الأخلاقي عن ذاته. أي أنّ المسألة ليست مجرد نزاعٍ بين الكنيسة والعلم. بل إنّ موضوع الحديث هنا بشكلٍ أعم، هو صراع بين النظام الذي حظر الاستغلال، ولعنه، واعتبره جرماً لا يغتفر، وذلك بالتأسيس على القيم التي صانها وجدان المجتمع وضميره طيلة التاريخ؛ وبين المشروع الاجتماعي الرأسمالي الجديد المتطلع إلى فتح الأبواب على مصاريعها أمام استغلال المجتمع والتسلط عليه، دون الاعتراف بأيّ رادعٍ أو عيبٍ أو لعنة. و”المقاربة الموضوعيّة” هي المصطلح المفتاح لهذا المشروع.
تتخفى تحت مفهوم “الموضوعية” الذي ينادي به “الفكر التحليليّ” فكرة مفادها: ما من “قيمةٍ” لا يمكن إخضاعها للعملية. إذ يمكن استغلال كلّ ما في الطبيعة من حيٍّ وجماد، والتحكم بها وتملّكها، بحيث لا يقتصر الأمر على كدح الإنسان فحسب، بل ويمكن البحث والتنقيب فيها، والتمتع بحقّ استغلالها بكافة الأشكال. وفيما عدا الذوات المنتقاة، يحق النظر إلى كلّ شيءٍ على أنه ميكانيكيّ. بالتالي، يحقّ التحكم به واستغلاله بلا رحمةٍ أو رأفة.
أما الفرد المواطن ومجتمع الدولة القومية، المنظّمان كذاتين أساسيّتين في مواجهة الطبيعة والمجتمع، فهما “ابتكاران جديدان” يتميزان بطاقةٍ جنونيةٍ قادرةٍ على فعل كلّ شيءٍ بصفتهما إلهين جديدين غير مقنّعين؛ بدءاً من تنفيذ الإبادات الجماعية إلى إقحام البيئة في حالةٍ لا تطاق. هكذا بات “اللوياثان” القديم مسعوراً، وكأنه ما من شيءٍ إلا ويستطيع التحكم به أو تمزيقه إرباً إرباً.
محاكم التفتيش:
من المهم الاستيعاب جيداً أنّ النظر إلى المقاربة الموضوعيّة الشيئيّة على أنها مصطلح نزيه تماماً في الأسلوب العلمي، قد تسبّب في كوارث مهلكةٍ وانحرافاتٍ كبرى، بل وبتنفيذ مجازر مروّعةٍ تضاهي ما قامت به محاكم التفتيش القروسطية. يجب التشديد، وبعناية، على أنّ الموضوعية الشيئية ليست مصطلحاً علمياً نزيهاً على الإطلاق. لا يمكننا إيضاح أسباب عطب وإفلاس وشلل علم الاجتماع في راهننا، ما لم نستوعب أنّ “الأسلوب العلمي” بحدّ ذاته يعدّ وسيلةً لأكبر تقسيمٍ طبقي.
الاشتراكية المشيدة:
بصراحةً: لـ”الأسلوب العلمي الموضوعي” دور معيّن وحاسم في إفلاس ماسميت “الاشتراكية العلمية”، التي كانت في الاتحاد السوفيتي و التي زعم أنها علم الاجتماع النموذجيّ؛ والتي اعتبرناها أيضاً كذلك في فترةٍ من الفترات.
فالتفسخ ثم الانهيار الداخليّ اللذان لحقا بالاشتراكية العلمية وبكافة مشتقاتها، أو مرورها بفترة تحوّلٍ من رأسمالية الدولة المباشرة إلى الرأسمالية الخاصة، بعد اجتيازها مرحلةً طويلةً من التطبيق العمليّ وتشييد النظام الاجتماعي؛ إنما يرجع في أساسه إلى “الأسلوب العلمي” ورؤيته في “التشيؤ”. وإلا، فما من شكٍّ بتاتاً في مدى صدق وحسن نوايا المناضلين على درب الاشتراكية بإيمانٍ راسخٍ وجهودٍ حثيثة.

التحام العلم مع النظام المهيمن:
إنّ كافة البنى العلمية التي تنيط التمييز بين الذات والموضوع بدورٍ أساسيّ، هي أسيرة استقلالياتها، لدرجة أنها تزعم تفوقها على ضروب القيم والمثل المجتمعية كافة. ربما أنّ الانحراف الأكبر باسم العلم مخفيّ في هذه المزاعم. وربما لم يشهد التاريخ التحام العلم مع النظام المهيمن في أيّ عصر، مثلما هو عليه في العصر الرأسمالي والمستمر حتى اليوم. فدنيا العلم، بدءاً من أسلوبه إلى مضمونه، هي أعظم قوةٍ إنشائيةٍ لدى النظام. وهي القوة التي تصونه وتؤمّن شرعيته أيضاً. إنّ الأسلوب العلمي للعصر الرأسمالي، وبالتالي، كافة العلوم الناشئة ضمنه بناءً على هذه الخلفية، تشكّل القوة الأساسية التي تؤمّن وتؤدي إلى تعزيز آلية الربح في النظام من جهة، وإلى تكريس الحروب والأزمات والآلام والمجاعة والبطالة ودمار البيئة والانفجار السكانيّ من جهةٍ ثانية؛ بحيث شملت كافة قطاعات المجتمع وحلقاته الداخلية والخارجية. وما عبارة “العلم قوة” الموجزة سوى تعبير عن الافتخار بهذه الحقيقة.
قد يقال: وما الضّير من ذلك؟ إنّ النظام المتحصن بدرع النزاهة والشرعية، يكون قد عبّر عن أكثر المواقف طبيعيةً عندما ينادي بهذه الأحكام بكلّ سهولة. إذا كانت الحداثة الرأسمالية في راهننا تنذر باستحالة الاستمرار في كافة مجالاتها الأساسية، فلـ”الأسلوب العلمي” الذي ترتكز إليه النصيب الأكبر في ذلك.
الحل والحياة الحرة:
لذا، فالأمر المهمّ والمصيري هنا هو توجيه النقد إلى الأسلوب الذي يشكل الدعامة الركن للنظام، وإلى “الضوابط العلمية” المطروحة. إنّ نقطة الضعف الأساسية في الانتقادات الموجّهة إلى كافة الأنظمة، بما فيها انتقادات الاشتراكية، تكمن في لجوئها إلى نفس الأسلوب الذي ترتكز إليه تلك الأنظمة في تحقيق وجودها. مع أنّ الحقيقة تشير إلى أنّ انتقاد الواقع الاجتماعي الناشئ اعتماداً على نفس الأسلوب الذي يستند إليه هذا الواقع، لا ينقذ النّقّاد من الوقوع في نتيجةٍ مشابهة. فمن المعروف جداً أنّ السائرين على نفس الدروب المرسومة سلفاً، لا يمكنهم سوى الوصول إلى القرى أو المدن التي تؤدي إليها تلك الدروب. هذا تماماً ما حصل لمناهضي النظام القائم، بما فيهم أصحاب الاشتراكية العلمية.
علينا أن نبدي اهتماماً بالغاً في تقييماتنا للتمييز بين الذات والموضوع بشكلٍ أساسي، إزاء تناول الخصائص الطبقية والاجتماعية. ذلك أنّ هذين المصطلحين الباديين وكأنهما نزيهان، هما السبب الأنطولوجيّ (الوجوديّ) لنشوء الحداثة التي غدت مستحيلة الاستمرار. ولا علاقة لهذين المصطلحين بالمنجزات العلمية كما يعتقد، وهما ليسا منزّهين عن التطبع بالميزات النسبية. بل إنهما مشحونان برؤيةٍ ثبوتيّةٍ قالبيّةٍ بصدد الطبيعة والذات، بقدر ما هو عليه الأسلوب الدوغمائي في العصور الوسطى بأقل تقدير. فالسعي لفهم الحياة عبر التمييز العلني بين الذات والموضوع، يؤدي بالحياة إلى الاختناق المادي، ويجعلها رجعيةً ومهمّشةً أكثر مما كانت عليه حياة الإنسان في العصور الوسطى. فحياة الإنسان التي كتم الأسلوب العلميّ أنفاسها، وحرمها من الحرية؛ قد تشتتت إرباً إرباً في الحداثة الرأسمالية للنظام المهيمن العالمي، اعتماداً على التمييز بين الذات والموضوع، وتعرّضت كافة مناحيها لتصدّعاتٍ متأصلة.
إنّ القيمة العظمى المفقودة مع تجزّؤ التكامل إلى أدقّ خلاياه الأولية بسبب “الضوابط العلمية”، هي تكامل ووحدة الحياة الاجتماعية المسجّلة ضمن الأبعاد الزمانية والمكانية. ما من شيءٍ في راهننا أخطر من “الحياة المحصورة”، ومن مأساة الحياة المبتورة من جوهرها ومقوّماتها الزّمانية والمكانية. إننا وجهاً لوجه أمام أشدّ المصائر بؤساً. فالسرطنة المجتمعية ليست تصوراً استعارياً من صنع الخيال، بل هي التفسير الأمثل للنظام القائم فيما يتعلق بالحياة.
هذا الموضوع الذي يتطلب التأمل فيه بإمعان، لا يمكن تناوله إلا بتقييمه ضمن نطاقٍات ربما تكون محدود. الانتقادات لا تعني أننا نقترح أسلوباً جديداً. كما أنه لا يمكن الاستنتاج من كلّ ذلك أننا نقترح عدمية الأسلوب. ذلك أننا متيقظين للخصائص التي تعبّر عنها السبل والأساليب والقوانين الملتزم بها في حياة الإنسان، بل وفي الطبيعة بأحيائها وجماداتها. كما نولي قيمةً عليا للطريقة والأسلوب. لكن، وبينما يكون مفهوم الأسلوب والقانون مشحوناً على الدوام بمخاطر المضمون الحتمي، فإننا مضطرّون للتشديد على أنّ الإصرار على ذلك يفضي إلى خطر إنكار التطور والحرية. لا نتصور وجود كونٍ بلا أساليب أو قوانين. ولكني لا نؤمن أيضاً بضرورة اتخاذ ميكانيكية ديكارت أساساً، والتي تنظر إلى الكون كنسقٍ رياضيٍّ محض. هذا ولديّنا شكوك عميقة تشير إلى أنّ المنطق المرتكز إلى الرياضيات والقانون هو منطق مرضيّ. بل ونلاحظ شبهاً كبيراً بين الكهنة السومريين الذين اخترعوا الرياضيات والقانون، وبين مؤسّسي الذهنية العلمية. و كليهما يمثّلان المدنية عينها.
مناهضة الأسلوب لا تعني إنكاره كلياً، ولا البحث عن أسلوبٍ بديل. من الضروريّ القول أنّ الانفتاح أكثر على إمكانية التفسير الأقرب إلى خيار الحياة الحرة، يتميز بمعانٍ أسمى. ولئن كانت الغاية هي بلوغ معنى الحياة، فعلى الأسلوب أن يكون وسيلةً تفضي إلى ذلك. فالدولة الكبرى والإنتاج الصناعيّ الضخم لوحدهما قد ألحقا الحروب والدمار بالبشرية، بدلاً من السعادة والرفاه. فلدى اتحاد الإنتاج مع القوة، يتزايد الابتعاد عن المعنى. وفي جميع الأوقات يأتي أصحاب الادخار في مقدمة الشرائح البليدة التي لا تبدي التفهّم للحياة. في حين ينظر إلى الادخار بعين الشكّ والريبة دائماً داخل المجتمع. إنّ الخلاص من مشكلة الأسلوب، أو تخطيها والتغلب عليها، يتضمن معانٍ متأصلة. حيث يستوجب محاسبة العصر والمدنية المعاشين. ولطالما نصادف أمثلةً ضاربةً للنظر عن ذلك على مرّ الأزمنة التاريخية. سيذهب أيّ بحثٍ عن المخرج هباءً، ما لم توجّه الانتقادات الجذرية إلى الرأسمالية بأساليبها وضوابطها العلمية التي تطبع جميع مؤسساتها وقوالبها العصرية بطابعها؛ وما لم نتوجه بالتالي إلى إعادة هيكلة العلم الذي يمكّن من الدنوّ أكثر من الحياة الحرة. لا ننوي تقديم أيةّ مساهمةٍ لثنائية الحداثة–ماوراء الحداثة. ومع احترامنا للعديد من المقاربات البارزة في هذا السياق، ولكن، يتعين عليّنا الإشارة إلى أنّ القناعة القائلة ببعد تلك المقاربات عن صلب المشكلة، لا تنفكّ رائجةً حتى الآن. ويمكننا أن نعتبر ما وراء الحداثة استمراراً للحداثة بأقنعةٍ جديدة.
لقد كانت قمم وحوافّ جبال طوروس–زاغروس تشكّل المناطق التي تخمّرت فيها ألوهية تلك المدنية، التي كانت تتواجد في أحشاء المجتمع النيوليتيّ كالدّود الذي ينخر في جذع الشجرة. هذا وكان تنظيم المدينة والطبقة والدولة في سهول ميزوبوتاميا يشكّل العصر الحقيقيّ لشبابها ونضوجها. أما مدنية أوروبا الغربية، فأمست عصر شيخوختها وموتها. وتجترّ كردستان كوطن والكرد كمجتمع مخاضات احتضار هذه الألوهية، التي ولدت وترعرعت في أحضان أراضيها ومجتمعها. سيبدو الواقع ملموساً أكثر في حال اعتبار عناصر الحداثة الرأسمالية بأنها تمثّل شيخوخة إله المدنية وحتفه. فالحداثة الرأسمالية كذاتيةٍ مثالية، وواقع الكرد وكردستان كموضوعيةٍ شيئية، يتصارعان بنحوٍ لا مثيل له في أية بقعةٍ من العالم. ومثلما الحال في العديد من الثورات الكبرى، فكأنّ التاريخ برمته قد انبعث ثانيةً ليقاتل بكلّ ما لديه من فنون. وما يتفكك وينهار في معمعان هذه الحرب ليس دعامات الدولة القومية وقانون الربح الأعظم والصناعوية و”عذاب جهنم” فحسب. بل وينهار أيضاً التمييز بين الذات والموضوع. هذا وتكمن زبدة خلاصة الثورة في زوال هذا التمييز الاصطلاحيّ تماماً. ذلك أنّ ثمن صعود أيديولوجية الذات–الموضوع وتصلّبها (تحوّلها الدوغمائيّ) وانهيارها كان نظاماً استعمارياً ودموياً إلى أقصاه، عمّر خمس آلاف سنة بأقلّ تقدير. وقد أدى هذا النظام دور الكابوس المسلّط على البشرية بكلّ ما للكلمة من معنى. وها هي البشرية تصحو لتوّها من هذا الكابوس المرعب. إذ ثمة أمل معقود على حركة النهوض هذه، التي يحققها الكرد كأناسٍ أحرار وتحققها كردستان كوطنٍ حر عبر ثورتها الديمقراطية والكونفدرالية واتحاد الأمم الديمقراطية وبدليها التي تقدمها للمنطقة والإنسانية العصرانية الديمقراطية التي لاتقل أهمية عن ثورتها الأولى النيوليتية قبل 12 ألف سنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: