الكاتب والمحلل السياسي السوري- المهندس أحمد شيخو
اعلنت قوات سوريا الديمقراطية في مدينة الحسكة السورية التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن تعرض سجن غويران التي تضم الآلاف من معتقلي داعش ، لهجمات بسيارات مفخخة على أحد بواباتها والسور الخارجي وعن فرار عدد من عناصر داعش المسجونين. وهذا ما أستدعى إلى تدخل الإدارة الذاتية بقواتها الأمنية وقوات سوريا الديمقراطية والاشتباك مع العناصر المهاجمة وقتل البعض منهم واعتقال عدد من الفارين و العمل للسيطرة التامة على الوضع ، في ظل الاشتباكات والتطورات المستمرة حول السجن إلى لحظة كتابة هذه المقالة . لكن للبحث عن أسباب الحادثة وتداعيتها علينا ذكر بعض النقاط والجوانب والاسباب الاساسية:
1- الاحتلال التركي لمناطق القريبة من الحدود التركية السورية وذات الغالبية الكردية مثل عفرين وسري كانية(رأس العين) وكري سبي(تل أبيض) وخصوصاً بعد تقدم وتمكن قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي لمحاربة داعش من هزيمة داعش في مدينة كوباني وثم في عاصمتها المزعومة مدينة الرقة السورية ، حيث توافق مسار أستانة من روسيا وإيران وتركيا وبالصمت الأمريكي أو التواطؤ مع تركيا لتحجيم نفوذ ودور الكرد السورين البارز في محاربة داعش وتقديم نموذج حل وطني ديمقراطي للأزمة السورية من الإدارة الذاتية المستندة لأخوة الشعوب وخاصة الشعبين الكردي والعربي والاعتراف المتبادل وريادة المرأة وتحريرها وحماية الوحدة والسيادة السورية.
إن احتلال تركيا لهذه المناطق أعطت قبلة الحياة وزدات من فرص تقوية داعش وتجميع نفسها مرة أخرى ، حيث أن أغلب القيادات الداعشية وبعد هزيمتهم في الرقة وفي باغوز عام 2019 باتت تستخدم وتتواجد في مناطق الاحتلال التركي وحتى أن تركيا جمعت الكثير من عناصر داعش وأدخلتهم في ما تسمى الجيش الوطني السوري الذي شكلته المخابرات التركية كذراع إنكشاري لتدخلها واحتلالها ومحاربتها لقوات سوريا الديمقراطية القوة المحاربة لداعش، ولايخفى على أحد كيف أن متزعم داعش أبو بكر البغدادي قتل على يد قسد والتحالف في مناطق الاحتلال التركي في سوريا وعلى مقربة من الحدود السورية التركية قرب إدلب القريبة من عفرين. كما أن كل المعتقلين من الدواعش في سجون الإدارة الذاتية يقولون في كل المقابلات والتحقيقات أنهم يريدون الوصول لتركيا في حال الفرار أو الوصول لدولهم.
ولتخفيف الضغوط والشبهات عن نفسها تحاول تركيا كل فترة وتقوم بمسرحية اعتقال عدد من عناصر تقول أنهم من داعش دون أية محاكم أو متابعة فقط اعلان الاعتقال وثم الافراج عنهم وكأن عناصر داعش في تركيا موجودون فقط للإعتقال، كما أن الداعشي الذي فجر نفسه في الشباب الثوري الجامعي التركي في مدينة سروج في عام 2015الذين كانوا يريدون مساعدة دعم ومساندة مقاومة كوباني ضد داعش كان تم اعتقاله والافراج عنه .
1- تخاذل المجتمع الدولي في التعامل مع الأعداد الهائلة من الدواعش في سجون الإدارة الذاتية التي يقترب عددهم من 11 ألف وحوالي 70 ألف من عائلاتهم واطفالهم، حيث أن هذه الأعداد تشكل عبئ ثقيل وكبير على الإدارة الذاتية الفتيىة ، ولم تقوم حتى الآن المؤسسات والمحاكم الدولية اللازمة ومجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة في دعم مطلب الإدارة الذاتية في إرجاع هذه العناصر إلى بلدانهم الأصلية أو محاكمتهم في مناطق الإدارة الذاتية أوومساعدة محاكم الإدارة الذاتية أو إيجاد آلية دولية لمحاكمتهم، حيث أن الكثير من القوى الدولية والإقليمية لاتريد إرجاعهم أو أن يتم محاكمة الدواعش المعتقلون، حيث أن بعض الدول ستكون في مرمى الإتهام وواجب محاسبتها على دعمها لناصر داعش في كافة المجالات وعلى رأسهم تركيا التي أدخلت ودعمت أكثر من غيرها داعش والجماعات الإرهابية الأخرى من أجل ان يحاربوا الكرد والعرب وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا حتى تقوم تركيا وتحتل شمال سوريا والعراق وغيرها ضمن مشروعها العثمانية الجديدة.
2- حالة الحصار التام المفروض من المحيطين على الإدارة الذاتية ومن القوى الإقليمية والعالمية وخاصة من تركيا وحكومة دمشق وروسيا وحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث أن كل الأبواب والمعابر مع تركيا أغلقت تركيا بمجرد تحرير قوات سوريا الديمقراطية للمناطق الحدودية في حين أنها كانت مفتوحة عندما كان داعش متواجد في هذه المناطق، كما أن الحكومة السورية ومن باب ممارسة الضغوط على الإدارة الذاتية وفرض الاستسلام عليها تغلق في كثير من الأحيان الأبواب والمعابر وحتى أنها تدعم خلايا وبالتنسيق مع إيران تحت اسم المقاومة الشعبية لقتل قوات التحالف الدولي وقسد التي تحارب داعش، كما أن روسيا أغلقت معبر اليعربية أو تل كوجر وذلك باستعمالها الفيتو على فتحه مما أدى إلى غلقه، وأخيراً وبتوجيه تركي وتعليماته أغلق حزب الديمقراطي الكردستاني المحسوب على تركيا والمسيطر على الطرف الأخر من باب سيمالكا المعبر و كما قامت بتحريض الناس والمدنيين عبر أتابعها في الهجرة من مناطق الإدارة الذاتية إلى إقليم كردستان.
ولاشك أن أغلاق المعابر شكل ضغط وعبئ كبير على قدرة الإدارة الذاتية في كافة المجالات ومنها الأمنية والاقتصادية ومن إمكانياتها على محارية داعش و الإمكانيات اللازمة لإدارة السجون المكتظة بالدواعش وكذلك المخيمات الكبيرة لعوائلهم وأطفالهم.
حيث أن التعامل السياسي من قبل تركيا وروسيا والسلطة في دمشق مع المعابر أضعفت وفندت الكثير من الإمكانيات اللازمة لاستمرار محاربة داعش وخلقت بذلك دعم ومساندة لداعش بشكل مباشر وغير مباشر.
3- عدم الاعتراف بالإدارة الذاتية كجهاز إداري ونظام سياسي محلي ضمن الدولة السورية لإدارة المناطق المحررة من داعش وبقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي وخصوصيتها من قبل حكومة دمشق والدول الإقليمية والدولية والتعامل معها فقط من الجانب العسكري، وعدم تحقيق تسوية سياسية أو حل سياسي بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية نتيجة الضغط التركي والإيراني وعقلية البعث الرافضة لأي تشارك أو الاعتراف بالأخر، وكذلك عدم تحقيق أي تقدم في المسار الدولي للحل في سوريا وهذا مما جعل الوضع في سوريا عامة وفي مناطق الإدارة الذاتية التي هي في حالة حرب مستمرة مع داعش غير مستقر بالشكل الكافي مع التهديدات التركية المستمرة باجتياحات جديدة. مما أوجد حالة خصبة لتدخل الدول المحيطة وشعور داعش أن المنطقة قادمة على حالات عدم استقرار ستكون فيها قادرة على إعادة فرض السيطرة وخاصة مع محاولات الهروب باتجاه تركيا أثناء هجوم تركيا واحتلالها لمدينة رأس العين وتل أبيض.
4- التهديدات التركية المستمرة باجتياحات جديدة وقصفها المتكرر على مناطق الإدارة الذاتية وقصفها بالمسيرات للمدنين وقوى الأمن وقوات سوريا الديمقراطية المكلفة بمحاربة داعش وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا مما يجعل الإدارة الذاتية وقواتها مشغولة بصد الاجتياحات التركية وصرف الجهد والإمكانات عليها بدل التركيز على محاربة داعش وتأمين السجون وتحقيق الاستقرار وتحسين الأوضاع الاقتصادية المطلوبة, وهذا مما يجعل أحد أهداف الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية تحرير المناطق المحتلة والتركيز عليها. بسبب أن هذه المناطق أيضاً يتواجد في عناصر من داعش وبل بتمتعون بحماية الجيش التركي لها وتحت مسميات مختلفة كأحرار الشرقية وسلطان مراد والعشمات والحمزات وغيرهم من ما يسمى الجيش الوطني السوري التابع لتركيا.
5- الموقف الأمريكي والتحالف الدولي المقتصر على الجانب العسكري فقط في التعامل مع الإدارة الذاتية وحتى هذا المجال لم يتطور إلى دعم كافي لقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي لتحقيق الإكتفاء الذاتي لمحاربة داعش، وهنا نستطيع القول أن المواجهة مع داعش ستكون موفقة وناجحة إذا تم توسيع التعامل بين الإدارة الأمريكية والإدارة الذاتية إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والمجالات الأخرى حتى تكون الإدارة قادرة على محاربة داعش وتحقيق الاستقرار المطلوب.
6- وجود عمليات في العراق وقتل سرية من الجيش العراقي على يد عناصر داعش، وهذا يبين الخطورة والتدعيات الكبيرة الممكن حصولها في حال التهاون في محاربة داعش أو تقليل دعم القوات التي تحارب داعش من قبل المجتمع الدولي وحتى دول المنطقة.
7- محاولة إيران الاستفادة من نشاط داعش وبل تنفيذ البعض من العمليات المساعدة لها وأحيانا بأسمها من قبل بعض الجماعات الإرهابية التي شكلتها إيران كجماعات المقاومة الشعبية في سوريا والهجمات بالطائرات المسيرة على القوات الدولية وكذلك على دول المنطقة ، وهذا يشكل أفاق مستقبلية لداعش بإمكانية تحقيق مشاريعها والتوسع في ظل توافق مصالحها مع مصالح إيران في مناطق وأحيان كثيرة، والملاحظ أن الإعلام المحسوب على إيران في سوريا والمنطقة يحاول تسويق روايات وكأن المنطقة في إنهيار وأن الخلاص عبر إيران وأزرعها ومشروعها وذلك في استغلال لحالة سجن غويران والحالات المشابهة والتهديدات التركية.
8- عدم الانخراط الكافي من قبل الدول العربي في محاربة داعش في سوريا وعدم توسيع التعامل مع الإدارة الذاتية المسؤولة عن السجون ومحاربة داعش في سوريا مراعاة للمصالح الضيقة مع الدولة التركية ورغم أنها تحتل أكثر ماتحتله إسرائيل في سوريا، أو ربما من بعض المواقف القوموية العروبية المزيفة التي لاتمت للشعب والثقافة العربية ولأمن المنطقة بشيء، في كون مازال يرى البعض من الأخوة العرب أن دمشق قلب العروبة النابض مع العلم أن إيران وروسيا أصبحوا هم أصحاب القرار بدل الحكومة السورية وأصبح القلب بشقين رورسي وإيراني.
وعليه لتجنب تكرار محاولات هروب داعش من سجون الإدارة الذاتية وكذلك لكي تكون الإدارة الذاتية وقواتها الأمنية والعسكرية قادرة على الاستمرار في محاربة داعش وبالنيابة عن شعوب المنطقة ودولها والعالم من الصحيح أن تتطور علاقة القوى الفاعلة والدول والتي يهمها محاربة داعش وتحقيق الاستقرار والأمن أن تبادر إلى دعم الإدارة الذاتية وقواتها الأمنية والعسكرية وكذلك الاعتراف السياسي بها وبقواتها والعمل على تحقيق تسوية سياسية بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية و كذلك تسوية سورية شاملة والأهم يبقى تحرير المناطق المحتلة مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض والباب وجرابلس واعزاز ومارع وإدلب من الجماعات الرديكالية الجهادية وتركيا ، حيث أن هذه المناطق هي مناطق أمنة لعناصر ولقيادات داعش. ويبقى تعزيز قدرات الإدارة الذاتية الاقتصادية والأمنية لتعزيز قدراتها ولتحقيق بيئة رافضة لداعش ومتماسكة في وجهه إرهاب داعش والتظيمات الإرهابية الأخرى من الأمور الهامة والضرورية لمواجهة تحدي انتشار داعش ، ولاشك الدول العربية المحيطة مثل العراق والأردن ولبنان وحتى السعودية والكويت ومصر وليبيا لن تكون أمنة ومستقرة على المدى المتوسط والطويل بزيادة نشاط خلايا داعش وتزايد قدرتها وفرار العناصر ودعم تركيا لهم وسيطرتهم على بعض مناطق الإدارة الذاتية في سوريا .
وعليه يبرز الضرورة في المحصلة على سرعة التعامل السياسي مع الإدارة الذاتية ودعمها ودعم قوات سوريا الديمقراطية وعدم تركها وحيدة في مجابهة داعش والاحتلال التركي الذين ينسقان هجماتهم على شمالي سوريا حيث أن الهجوم على سجن غويران تم في يوم بداية احتلال تركيا لعفرين عام 2018 وهذا يحمل معنى كبير في العقل التركي الطوراني الفاشي الذي ينسق كل تدخلاته واحتلالته أو تحرك وكلائه وأدواته وفق تواريخ تحمل رسائل لم يفهمها الكثيرين، كما تم مع احتلال تركيا لجرابلس في عام 2016 في نفس يوم معركة مرج دابق عام 1516 وهزيمة العثمانين لدولة المماليك التي كانت مركزها مصر حينها.
وهنا نقول أن الإدارة الذاتية وقواتها تشكل صمام الأمان لسوريا ولوحدتها وسيادتها وكذلك لأمن واستقرار لدول العربية والمنطقة والعالم و من الصحيح الدفع باتجاه تعزيز قدراتها في كافة المجالات لمحاربة داعش وتحقيق الاستقرار وحماية مكتسبات الحرب على داعش وتحقيق تنمية للمنطقة، سواء من التحالف الدولي أو من الدول والقوى الأخرى في الإقليم والعالم و فتح المعابر ورفع الحصارعنها وتخفيف أعبائها السياسية والاقتصادية والأمنية بسبب عناصر داعش المسجونين وخلاياها النشطة ودعمها بالشكل الكافي حيث انها تدير ثلث سوريا وقرابة 5 مليون سوري من السكان واللاجئين إلى مناطقها من الداخل السوري وكذلك المساعدة في إيجاد صيغة دولية وبالتوافق مع محاكم الإدارة الذاتية في شمالي سوريا لمحاكمة الدواعش المسجونين بأقرب فرصة والاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية كجزء من الدولة السورية الواحدة و التي تحمي منظومة الأمن القومي العربي وأمن المنطقة بأكملها في وجهة داعش والتنظيمات الإرهابية وتفرعاتهم. وكما أن اخراج تركيا من سوريا وغيرها من القوى الإقليمية التي تحاول الاستفادة من داعش وتحركاتها وعدم حل الأزمة سوف تكون عوامل مساعدة لإنهاء داعش .