رندة نبيل رفعت
في حلقةٍ غير مسبوقة من بودكاست “The Joe Rogan Experience”، أحد أشهر المنصات الحوارية في العالم، استضاف الإعلامي الأمريكي جو روجان عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، في حوار سرعان ما تحوّل إلى ساحة مواجهة حضارية بين سردية علمية متجذّرة في الأدلة التاريخية، ونظريات شعبوية تلقى رواجًا على الإنترنت حول منشأ الحضارة المصرية القديمة.
بدأ اللقاء بجو من الفضول والتقدير، حيث عبّر روجان عن إعجابه بالحضارة المصرية، مشيرًا إلى أن الأهرامات والأسرار التي تحيط بها ظلت لعقود تشغل خيال الباحثين والمغامرين.
لكن سرعان ما بدأ النقاش يأخذ منحى تصادميًا، حين طرح روجان تساؤلات مألوفة في أوساط المؤمنين بنظريات “الفضائيين القدماء” أو وجود حضارات مفقودة خارقة سبقت المصريين.
هنا برز حواس بقوة، مدعومًا بما يربو على أربعة عقود من التنقيب والبحث، ليحسم النقاش علميًا وأخلاقيًا. دافع حواس عن تاريخ مصر، واعتبر أن هذه الادعاءات لا تندرج فقط تحت بند “الخيال”، بل تمثل نوعًا من “الإلغاء الثقافي” للمصريين القدماء، ومحاولة ساذجة لنزع الفضل عن شعب أنجز معجزته الحضارية بأدواته ومعرفته الخاصة.
اللغة الحاسمة التي تحدث بها حواس لم تكن عاطفية فقط، بل مدعومة بدراسات ميدانية، مثل اكتشاف بردية “مرر” التي توثق نقل الأحجار لبناء الهرم الأكبر، وكشف مقابر العمال الذين شيدوا الأهرامات بأيديهم، وهو ما يتعارض جذريًا مع الادعاءات الخيالية التي تروّج لفكرة الكائنات الفضائية أو القوى الماورائية.
عالميًا، انقسمت ردود الفعل. الباحث الأمريكي في علم المصريات جون هارولد، صرّح في مقال لاحق أن “حواس يمثل خط الدفاع الأخير عن الحقيقة في مواجهة أمواج من المعلومات المزيفة، التي يتغذى عليها العالم الرقمي دون رقابة”.
فيما اعتبر المؤرخ البريطاني توبي ويلكينسون أن “ما قدمه حواس خلال الحلقة كان درسًا في السيادة الحضارية والثقة الوطنية، وهو ما نفتقر إليه كثيرًا في الغرب حين نواجه تشويه تاريخ الآخرين”.
في المقابل، حاولت بعض الأوساط المؤمنة بنظرية المؤامرة تصوير اللقاء كـ”انغلاق علمي”، معتبرين أن حواس رفض النقاش حول الفرضيات البديلة.
إلا أن تقييمات واسعة للحلقة أظهرت دعمًا كبيرًا لموقف حواس، واعتُبرت الحلقة من أكثر حلقات البودكاست إثارة للجدل والاهتمام في العام 2025، حيث تجاوزت مشاهداتها على يوتيوب 15 مليون مشاهدة خلال أسبوع واحد.
الحدث تجاوز كونه حوارًا شخصيًا بين إعلامي وعالم آثار، ليتحول إلى معركة رمزية بين مصر التي تحمي تاريخها، والعالم الذي ينجرف أحيانًا خلف الإثارة على حساب الحقيقة.
كانت مصر في تلك اللحظة، عبر صوت زاهي حواس، ليست مجرد أرض الأهرامات، بل سيدة التاريخ التي لا تقبل تشويه روايتها.
حوار زاهي حواس مع جو روجان لم يكن مجرد مواجهة بين علم وخيال، بل كان إعلانًا صارخًا بأن مصر، بتاريخها، وبعلمائها، وبتراثها، لا تزال قادرة على الدفاع عن عظمتها أمام العالم.
كانت تلك اللحظة لحظة وعي جماهيري عالمي، حيث تَجلّت مصر لا كموضوع بحث، بل ككيان حيّ يتحدث عن نفسه… بكل مجد.