يحتفل العالم كل عام بـ اليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 أكتوبر حيث يهدف اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يحتفل به العالم سنويًا في 17 أكتوبر، إلى تعزيز التفاهم والحوار بين من يعيشون في فقر وبقية أطياف المجتمع.
ويعتمد موضوع هذا العام وفق موقع الأمم المتحدة على شهادات مباشرة تُظهر أن من يعيشون في براثن الفقر المدقع غالبًا ما يعملون لساعات طويلة ومرهقة في ظروف خطيرة وغير منظمة، لكنهم مع ذلك عاجزين عن كسب ما يكفي لإعالة أنفسهم وأسرهم بشكل مناسب.
وفي هذا السياق استضاف مشروع حلول للسياسات البديلة (APS)، لقاءً مفتوحًا حول الأزمة الاقتصادية وآثارها على الفقراء، بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على الفقر، تحت عنوان أين وصلت أرقام الفقر في مصر؟، تحدثت فيه الدكتورة هبة الليثي أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة ومستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والدكتورة عالية المهدي أستاذ الاقتصاد والعميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيما أدار اللقاء الدكتور سامر عطالله الأستاذ والعميد المشارك للدراسات العليا والبحوث بالجامعة الأمريكية في القاهرة.
وناقش المتحدثون خلال اللقاء العديد من الأسئلة المطروحة حول كيفية التعامل مع آثار الأزمة الاقتصادية على الفقراء والأقل دخلًا في مصر، بالنظر إلى أرقام ومعدلات الفقر والدخل والإنفاق في البلاد.
واستعرضت الدكتورة هبة الليثي تسلسلًا زمنيًا لمؤشرات الفقر في مصر، بعد أن تحدثت عن كيفية تعريف الفقر، وما هي ملامح الفقراء في مصر، بالإضافة إلى تعداد الأمور الأكثر تأثيرًا على مستوى معيشة السكان، وأخيرًا استعراض تنبؤات مؤشرات الفقر في ظل الأوضاع الحالية.
وقالت الدكتورة هبة الليثي إن بيانات الدخل والإنفاق الرسمية تُظهر ارتفاع معدلات الفقر سنويًا منذ 2000 وحتى 2018، قبل أن تنخفض بشكل طفيف في 2019/2020 ورغم هذا الانخفاض لا تزال المعدلات أعلى مما كانت عليه في 2015 قبيل قرار تعويم الجنيه، إذ ارتفعت معدلات الفقر ما بين 2015 و2017/2018 من 27.8% إلى 32.5%، وحين انخفضت في آخر إحصائية رسمية مُعلنة (2019/2020)، وصلت إلى 29.7%.معدلات الفقر في مصر حتى يوليو 2023 وأوضحت مستشارة المركزي للتعبئة والإحصاء أن التنبؤات تُشير إلى وصول معدلات الفقر في يوليو 2023 إلى 35.7%، ووفقًا لـ هبة الليثي كان من الممكن أن تصل المعدلات إلى أكثر من 38% لولا المبادرات الاجتماعية والتكافلية التي أطلقتها الحكومة مثل “تكافل وكرامة” وحياة كريمة”.
وفي ضوء استعراضها لملامح الفقر والفقراء في مصر، قالت هبة الليثي إن انخفاض معدلات الفقر الذي عرفته مصر في آخر إحصائيات رسمية، لا ينبغي الاحتفاء به دون فهم أسبابه، موضحةً أنه خلال الفترة ما بين 2017 و2019 ارتفعت نسب العمالة غير الرسمية، ما صاحبه بالتالي ارتفاع في مستويات الدخل، غير أن تلك العمالة وبوصفها غير رسمية، فإنها محرومة من التأمين الاجتماعي ما يجعلها أكثر هشاشة أمام الصدمات الاقتصادية مثل غلاء الأسعار.
وأوضحت أيضًا أن هذا الانخفاض في معدلات الفقر قابله ارتفاعا في نسب عمالة الأطفال التي ساهمت في زيادة مستويات الدخل، كما قابله أيضًا انخفاض مستويات التعليم خصوصًا بين الفتيات، هذا بالإضافة إلى انخفاض جودة الغذاء.
ملامح الفقر والفقراء في مصروقالت أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، إن هناك ارتباط وثيق بين الفقر وضعف الأمن الغذائي، إذ تعاني الأسر الفقيرة من عدم التنوع الغذائي، فيما تنتشر بين أطفالها أزمات صحية تتعلق بسوء التغذية، مثل التقزّم.
ومن جهة أخرى، يرتبط الفقر بمستويات التعليم المنخفضة، وهو ما توضحه الإحصائيات التي تكشف عن أنّ 9.4% فقط من الحاصلين على التعليم الجامعي من الفقراء، في حين أنّ نسبة الفقراء من الأميين تصل إلى 35%.
وعلى مستوى الصحة، تُشير الإحصائيات إلى أنّ 23% من فقراء مصر ينفقون أكثر من 10% من دخلهم على الصحة، ووفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، فإنّ نسبة الـ10% فأكثر تُعد مؤشرًا على تدهور الوضع المعيشي بما لا يسمح بالحصول على التأمينات الصحية.
الفقر وحجم الأسرة وبحسب هبة الليثي، يُعد حجم الأسرة من مؤشرات الفقر وأبرز ملامحه في مصر، فكلما زاد حجم الأسرة كلما زادت معدلات الفقر.
وقالت هبة الليثي إن الحجم الكبير للأسرة يمثّل سببًا للفقر ونتيجة له في نفس الوقت، موضحةً أنه من جهة يؤدي زيادة عدد أفراد الأسرة إلى زيادة مصارف الدخل، ومن جهة أخرى تلجأ الأسر الأكثر فقرًا إلى كثرة الإنجاب لأنها تعتبر أن الأبناء قد يمثلون مصادر دخل إضافية، فضلًا عمّا قد يمثله الأبناء من حماية اجتماعية يفتقدها الفقراء الأكبر سنًا.معدل التضخم أشد وطأة من معدل البطالةومن جهتها بدأت أستاذة الاقتصاد والعميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عالية المهدي، بالتأكيد على أنه من منظور اقتصادي، معدلات التضخم هي أشد وطأة من معدلات البطالة، لأنّ الأولى تمس كل أفراد المجتمع من الفقراء والأغنياء.
وبعد تحديد عوامل معدلات التضخم المتصاعدة في مصر خلال السنوات الماضية، وصولًا إلى 40% لمعدل التضخم العام و74.5% لمعدل التضخم الأساسي، في سبتمبر 2023 في سابقة من نوعها في تاريخ مصر؛ وأوضحت أستاذة الاقتصاد طبيعة التأثير المباشر لهذا التضخم على الشرائح الأكثر فقرًا في المجتمع.
وقالت المهدي إنّ شريحة الأكثر فقرًا من السكان، هي الشريحة الأكثر إنفاقًا (بالنسبة لمستوى الدخل) على السلع الغذائية، في حين أن السلع الغذائية هي أكثر السلع زيادة في الأسعار، وعليه، وبحسب عالية المهدي، فإنّ أي ارتفاع في أسعار السلع الغذائية في مصر، هو أشد وطأة وتأثيرًا على الأكثر فقرًا.لذلك ترى المهدي أن التضخم هو المحدد الأساسي للفقر، وهو العنصر الأكثر تأثيرًا على مستوى الفقر مقارنة بالمحددات الأخرى مثل معدلات التنمية ومستويات الدخل، مشيرةً إلى واقع أن مستوى دخل الأسرة في الفترة ما بين 2019 و2022 زاد 14% في مقابل زيادة التضخم 24.7%، ما يعني أن الدخل الحقيقي حدث له تخفيض، حسب تعبير عالية المهدي.
مبادرات الحكومة في نهاية كلمتها تحدثت عالية المهدي عن المبادرات والبرامج الحكومية التي تستهدف الفقراء في مصر بما في ذلك بطاقة التموين، قائلةً إنها غير كافية لسد الفجوات التي يخلقها التضخم، خاصة أن الأرقام التي تمنح للأسر المستفيدة من تلك المبادرات ضعيفة وغير مواكبة لارتفاع معدلات التضخم.