محمد ارسلان علي
أيام والمسلمون بشقيهم السني والشيعي يحتفلون على حالة التصالح التي تمت بينهما برعاية الصين البوذية. صراع كان مستمراً منذ أكثر من ألف واربعمائة عام، راح ضحيته مئات الآلاف من كِلا الطرفين بين قتيل ومُصاب، وكل طرف يتوعد الآخر بالانتقام ونصرة خليفته إن كان عمر أو علي. خلاف على أحقية الخلافة بدأت منذ وفاة الرسول محمد (ص) وكانت بوادرها منذ اجتماع (السقيفة) الذي استمر عدة أيام حتى بدأ الدخان الابيض يخرج ليعلن تعيين أبو بكر خليفة للرسول. منذ ذلك الحين وكانت النفوس تضمر وتتحين الفرص في أحقية الخلافة ولمن ستؤول. تراكمت الضغائن والحسابات ما بين المستفيدين من تلك الحالة ليزيدوا من نثر بذور الشقاق حتى كانت الواقعة التي كانت والمبتدئة بمعركة الجمل ومن بعدها صفين، والتي كانت بداية النهاية لوحدة المسلمين وليكون من بعدها ما عشناه حتى الآن هو الطاغي على مشهد الحياة والذي تمثل في صراع واقتتال على السلطة والنفوذ والهيمنة، حتى سُمي بالصراع السني “اتباع عمر” – الشيعي “اتباع علي” في وقتنا الحاضر.
لندع التاريخ قليلا ونخوض بما عاصرناه وشهدنا أهواله من حرب عراقية – ايرانية استمرت سنوات ثمان، واستمرت بعدها لتأخذ منحىً آخر في تمدد النفوذ الايراني في المنطقة بدءاً من اليمن ولبنان وسوريا وبعض الشيء من المغرب. وبقي القليل (الاردن ومصر وليبيا والجزائر) ليعود التمدد الشيعي لتاريخه الذهبي في المرحلة الفاطمية كما تم تسميته.
عمل من يؤمن ويتبع سيدنا موسى وعيسى على تزكية نار الخلاف ما بين السنة والشيعة في العقود الأخيرة ولا زالوا مستمرون بذلك بكل قوة، لأنهم يعتقدون أن سرّ بقائهم وقوتهم تكمن في استمرارية الخلاف والصراع ما بين المذهبين. ولطالما بقي هذا التنافس بقيت لهم الكلمة العُليا في المنطقة ومنها تزداد احتياطاتهم المالية من بيع الاسلحة للطرفين بأساليب شتى فقط ليبقى كل طرف مصرٌ على أنه يمتلك كامل الحقيقة والأحقية، بينما الطرف الآخر ما هم سوى خوارج ومن أهل النار.
امتلاك السلاح النووي لم يكن لصالح من يسعى إليه بتاتاً، بقدر ما كان من نصيب من يتم الموافقة لهم على امتلاكه. سلاح يمكن من خلاله ارسال الكثير من الرسائل للخصم على أنه يمتلك النصر من غير استعماله. فأمريكا الدولة الوحيدة التي استخدمته ولمرة واحدة فقط في حربها مع اليابان في حربهما العالمية الثانية، أرادت من خلالها أن تصل الرسالة للقوى المتصارعة على أنها فقط القوة المهيمنة على العالم وعلى الجميع أن يتقبل هذه الفكرة.
محاولة إيران امتلاكها للسلاح النووي وإن كانت تدعي أنها تسعى له لأغراض سلمية، ولكن متى كان الغرب يثق بما يقوله الشرق وإن كان هذا المشرق فارسياً، فحينها ستخشى القوى الغربية كثيراً من امتلاك المشرق لهذا السلاح والذي سيكون بداية لصراع لن ينتهي مطلقاً ولربما أتى بنهاية المنطقة. فهذا المنطقة منذ تاريخها لا تتقبل تواجد قوتين مهيمنتين بنفس الوقت. “إله” أو قوة واحدة فقط ينبغي لها ان توجد وتتحكم بمصير من تبقى، هذا إن أردنا للواحدية ان تستمر تحت غطاء ديني على أساس أننا نعيش تحت راية الديانة التوحيدية والتي حاربت تعددية الآلهة. فلا مكان لألهه أخرى في مشرقنا المتوسطي ولا مكان لنبيين اثنين في نفس الوقت. بعكس الآلهة الوضعية التي تتقبل التعددية وبأن يكون بجوارها إله أخر يتعبده فئة من البشر.
اتباع الديانة التوحيدية فشلوا ومن غير منافس في أن ينتزعوا فتيل الصراع والاقتتال ما بين المذهبين المسلمين السني والشيعي على مدار قرون عديدة. في حين نجحت الصين الـ “بوذية” فيما عجزت عنه أمريكا واوروبا وروسيا. فهل سنشهد نهاية حقبة أو عصر من الاقتتال ما بين اتباع الديانة الواحدة بمختلف أنبيائها (موسى وعيسى ومحمد)؟ وهل ستكون لـ “بوذا” الكلمة العُليا في هذا التفاهم والاتفاق ليعيش الكل مع الكل وليتّبع كل فرد من يشاء؟ وهل سنشهد تماثيل لـ “سيدنا بوذا” في الساحات العامة على أنه استطاع ان يجمع الأخوة الفرقاء ويصلح ذات البين بينهم بعد اقتتال وصراع دام قرون؟ أم أنّ فقط مصالح “بوذا” هي المحرك الأساسي لرعايته الاتفاق بين إيران والسعودية.
لأنه في حال قررت امريكا واسرائيل ضرب إيران فإن الصين ستكون أكبر المتضررين منها. حيث أنها أي الصين تعتبر من أكبر المستوردين للنفط الايراني والخليجي وفي حال الحرب فأن تدفق النفط من الخليج سيكون مستحيلاً تقريباً، نظراً لأن إيران هددت بضرب المصالح الامريكية في الخليج عامة إن كانت في السعودية أو الامارات بالإضافة للعراق وسوريا. وأنه بهذه الاتفاقية تكون الصين وكذلك السعودية قد نأت بنفسهما من تبعات الضربة الايرانية على الاقل في مراحلها الأولى.
اتفاق سيعيد ترتيب الاصطفافات الاقليمية والدولية من جديد وخاصة تواجدها في المنطقة. كذلك سيكون له تأثير مباشر على وضع الحوثيين في اليمن وهل ستتخلى ايران عنهم كرمىً لعيون السعودية واستقرارها، كذلك سيكون له تأثير على لبنان بشكل مباشر وسوريا والعراق وستتغير بوصلة تركيا كثيراً خاصة أنها كانت البوابة الوحيدة لايران على العالم.
سيناريوهات عدة تلوح في الافق جراء هذا الاتفاق ومنهم من هو سعيد بهذا الاتفاق وما سيتمخض عنه ومنهم من هو ممتعض منها ويعتبرها انتصار للصين وسياستها على السياسة الغربية والامريكية على وجه الخصوص. ولربما تكون قادم الأيام حُبلى بالمفاجآت جراء الاتفاق هذا. هل سيكون بداية لنهاية الاقتتال السني – الشيعي والبدء بمرحلة التعايش مع بعض رغم الاختلاف، أم سنشهد بداية لتأجيج الاقتتال والصراع ما بين اتباع الديانة التوحيدية بكل اصداراتها (الموسوية والعيسوية والمحمدية)، ليبقى بوذا على قمة الجبل صامتاً ينتظر صراع الأخوة ليقول كلمته الأخيرة بأن “الكراهية لا توقفها الكراهية، فقط الحب يوقفها” و “يأتي السلام من الداخل. لا تسعى له في الخارج”.