تقرير – رندة نبيل رفعت
في مشهد ثقافي استثنائي، تحولت العاصمة الليبية طرابلس إلى قبلةٍ للفكر والوعي مع انطلاق الدورة الثانية من معرض النيابة العامة الدولي للكتاب، الذي يُقام برعاية وتنظيم مكتب النائب العام الليبي، وبالتعاون مع مركز البحوث الجنائية والتدريب، وتحت إشراف الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات.




هذا الحدث الذي يتجاوز كونه معرضًا للكتاب، أصبح منصة وطنية لترسيخ ثقافة العدالة والمعرفة، ونافذة تفتح للعالم العربي نموذجًا ملهِمًا في الجمع بين القانون والثقافة والتنوير.
رؤية فكرية فريدة
استُوحي المعرض من رؤية شاملة طرحها النائب العام الليبي، المستشار الصديق الصور، الذي آمن بأن العدالة الحقيقية تبدأ من وعي المجتمع وثقافته، لا من نصوص القانون وحدها.
وقد جاءت فكرة إقامة معرض للكتاب تحت مظلة النيابة العامة لتؤكد أن القضاء ليس فقط مؤسسة للفصل في النزاعات، بل مدرسة للتنوير وإشاعة القيم القانونية في الوجدان العام.
حضور مصري مميز… جسر ثقافي بين ضفتي المتوسط
وشهدت هذه الدورة مشاركة مصرية واسعة أضفت على المعرض طابعًا فكريًا مميزًا، حيث ضم الجناح المصري نخبة من دور النشر والهيئات الثقافية، إلى جانب إصدارات قانونية وفكرية وأكاديمية تتناول قضايا القضاء والعدالة والوعي القانوني للشباب.
وقد لاقت المشاركة المصرية إشادة كبيرة من الزوار والنقاد، لما تمثله من جسر تاريخي بين التجربتين المصرية والليبية في تطوير المنظومة العدلية العربية.
حضور عربي واسع ونجاح قياسي في الأرقام
سجّل المعرض هذا العام أكثر من 180 دار نشر محلية وعربية ودولية، بزيادة تتجاوز 50% عن الدورة السابقة، كما تخطى عدد الزوار خمسين ألف زائر خلال الأسبوع الأول فقط، في مؤشر واضح على اتساع دائرة الاهتمام الجماهيري والثقافي.
وشاركت وفود ثقافية من تونس، والجزائر، والمغرب، والسودان، والأردن، ولبنان، وتركيا، ما جعل من الحدث تظاهرة فكرية عربية بامتياز.
آراء كتّاب ونقاد: “طرابلس تُعيد للثقافة رسالتها الأولى”
الناقد المصري د. أيمن عبدالقادر وصف المعرض بأنه “نموذج متفرّد يمزج بين الفكر القانوني والوعي الإنساني، وينقل رسالة مفادها أن العدالة لا تزدهر إلا في بيئةٍ تقرأ وتتعلم.”
أما الكاتب الليبي سالم الورفلي فقال: “طرابلس بهذا الحدث تُعيد للثقافة رسالتها الأولى… الكلمة صارت هنا وسيلة لحماية الوعي قبل أن تكون وسيلة للتعبير.”
حوارات رفيعة ولقاءات نوعية
وشهدت الفعاليات المصاحبة ندوة فكرية جمعت الدكتور خليفة عاشور ومديرة التلفزيون الليبي العام، حيث تم التأكيد على دور الإعلام في نشر الثقافة القانونية وتعزيز قيم العدالة والمواطنة.
وقال د. عاشور: “ما تقوم به النيابة العامة اليوم هو ترجمة لرؤية عميقة تجعل من القانون ثقافة ومن العدالة سلوكًا حياتيًا.”
فيما أكدت مديرة التلفزيون الليبي أن “هذا المعرض خطوة استراتيجية في بناء وعي وطني مستنير، يعزز من دور ليبيا كمركز إشعاع ثقافي عربي.”
العدالة تلتقي بالثقافة
لم يقتصر المعرض على الكتب فحسب، بل احتوى على ورش عمل ودورات تدريبية وفعاليات للأطفال تهدف إلى غرس مبادئ النزاهة والمسؤولية القانونية في النشء.
كما نُظّمت مسابقات ثقافية ودينية تربط بين القيم الأخلاقية والمعرفة القانونية، مما جعل من الحدث تجربة تثقيفية وتربوية شاملة.
إشادة ونجاح وتطلعات للتوسع
اتفق المشاركون والنقاد والزوار على أن معرض النيابة العامة الدولي للكتاب أصبح علامة ثقافية مضيئة في ليبيا والمنطقة العربية، مشيدين بالتنظيم المتقن، والإقبال الكبير، والروح التنويرية التي سادت أجواءه.
وتستعد اللجنة المنظمة حاليًا لتوسيع نطاق المعرض في دورته القادمة ليشمل بنغازي ومصراتة وسبها، ليصبح مشروعًا وطنيًا دائمًا لنشر الثقافة القانونية والعدالة الاجتماعية في مختلف المدن الليبية.
رؤية النائب العام… عدالة تبني الوعي
ويُجمع المتابعون على أن النائب العام الليبي، المستشار الصديق الصور، قد قدّم برؤيته لهذا المشروع أنموذجًا فريدًا في الدبلوماسية الثقافية، إذ نقل العدالة من أروقة القضاء إلى فضاء المجتمع.
فمن خلال هذا المعرض، باتت النيابة العامة في ليبيا لا تحاكم القضايا فحسب، بل تُربي الوعي، وتغرس الثقافة القانونية، وتُكرّس قيم النزاهة والانتماء الوطني، لتؤكد أن ليبيا الجديدة تُبنى بالفكر كما تُبنى بالقانون.
“طرابلس تحتضن الفكر العربي مجددًا… والعدالة تتحول إلى ثقافة في تجربة فريدة يقودها مكتب النائب العام الليبي.”