كتبت – رندة نبيل رفعت
في مداخلة بارزة عبر قناتي الجزيرة بالعربية والإنجليزية، قدّم السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، خطابًا متماسكًا اتسم بالرصانة السياسية والوضوح الدبلوماسي.


بدا زكي في حديثه كمن يرسم خارطة طريق عربية للتعامل مع واحدة من أعقد الأزمات الراهنة، واضعًا خطوطًا فاصلة بين الإدانة المبدئية والتحرك العملي الذي يفرض نفسه على الساحة الدولية.
وقد ركّز على أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واعتداءً على السيادة الوطنية لدولة عربية، وهو ما يضع الجامعة أمام اختبار جديّ لمصداقية الموقف الجماعي العربي.
في النسخة العربية من الحوار، بدا زكي حازمًا وهو يؤكد أن زمن الاكتفاء بالبيانات قد ولّى، وأن المرحلة تفرض ردًا دبلوماسيًا موحدًا يترجم الغضب العربي إلى إجراءات عملية، سواء من خلال مواقف سياسية جماعية أو تحركات قانونية عبر المنظمات الدولية. أما في النسخة الإنجليزية، فقد صاغ خطابه بلغة رصينة موجهة إلى المجتمع الدولي، مشددًا على أن استمرار التغاضي عن الاعتداءات الإسرائيلية يهدد ليس فقط الأمن الإقليمي، بل الاستقرار العالمي برمته، ومؤكدًا أن على القوى الكبرى تحمل مسؤولياتها إذا أرادت بقاء أي مسار للسلام قائمًا.
هذا الخطاب ينسجم مع الدور الذي تسعى الجامعة العربية إلى ترسيخه في هذه المرحلة الدقيقة؛ إذ تعمل على التحول من منصة إصدار بيانات إلى مؤسسة إقليمية فاعلة تضغط عبر أدواتها الدبلوماسية والقانونية لتثبيت مبدأ حماية السيادة العربية ورفض أي انتهاكات خارجية. الجامعة، وفق ما أوحى به زكي، لا تنظر إلى الاعتداء على قطر كحادثة معزولة، بل كاختبار شامل لمبدأ الأمن الجماعي العربي، وهو ما يفرض صياغة موقف موحّد لا لبس فيه.
وتأتي هذه المداخلات في سياق التحضير لانعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة، حيث تتجه الأنظار إلى القرارات التي ستصدر عنها. القمة، التي تعقد وسط أجواء من الغضب الشعبي والرسمي على السواء، يُنتظر أن تخرج ببيان قوي يدين الاعتداء الإسرائيلي على قطر، ويعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الإقليمي.
ومن المرجح أن يشدد البيان على ضرورة التضامن العربي الإسلامي، مع إبراز جهود الوساطة التي تقوم بها الدوحة والقاهرة بالتنسيق مع واشنطن لوقف الحرب في غزة وإطلاق سراح المحتجزين.
وفي خلفية هذا المشهد، يترقب الشارع العربي والإسلامي ما إذا كانت هذه القمة ستقتصر على إصدار بيان تضامني، أم أنها ستذهب أبعد من ذلك عبر بلورة خطوات دبلوماسية ملموسة، مثل التحرك في مجلس الأمن، أو استخدام أدوات الضغط السياسي والاقتصادي للرد على إسرائيل.
التوقعات الشعبية تتجه نحو موقف أكثر صرامة، يعكس وحدة عربية وإسلامية تتجاوز حدود الشعارات إلى دائرة الأفعال.
يمكن القول إن مداخلة السفير حسام زكي لم تكن مجرد تعليق على الأحداث، بل جاءت كوثيقة سياسية مصغرة، تضع الجامعة العربية أمام مسؤولياتها، وتؤسس لمخرجات القمة الطارئة على قاعدة من الواقعية السياسية والوضوح الدبلوماسي.
وبهذا الطرح، برزت الجامعة العربية ليس فقط كصوت إدانة، بل كفاعل يسعى إلى تحويل الغضب العربي إلى قوة ضغط دبلوماسية على الساحة الدولية.