رندة نبيل رفعت
تسعى سلطنة عُمان إلى إيجاد مدن ذكية تتوافق ومتطلبات العصر، مع تحقيق الترابط بين الماضي والحاضر وما يجسد الهوية الوطنية ومقتضياتها وتعريفها كمسار في سياق التحول العمراني.
وتتجسد الرؤية الرامية في قطاع البناء إلى تعزيز التوافق بين التراث والحداثة في إيجاد سياقات مبتكرة نوعية ومتفردة وهذا ما يظهر جليًّا في انعكاس التكامل لتعزيز استدامة المُدن وأنسنتها، إذ تتشكل المدن الذكية وفق رؤى واستراتيجيات ترسم تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان، وتعمل على تحسين البنية الأساسية وحياة الأفراد وتسريع التنمية الاقتصادية.
وتبرز الهوية الوطنية ومقتضياتها من خلال مشاريع تحقق أهداف “رؤية عُمان 2040″، حيث تعد مدينة السلطان هيثم خير مثال على المدن الذكية ليشكل المشروع التوازن بين الحداثة والخصوصية ونموذجًا للمدن المستقبلية، ووجهة استثمارية واعدة.
المُدن الذكية في سلطنة عُمان ليست مجرّد بُنى أساسية رقمية، وإنما أدوات لتجديد الهُوية وتحسين جودة الحياة، بمرجعية مُستمدة من العمارة العُمانية التقليدية وفهمها العميق للبيئة والسلوك المُجتمعي، كما تلتزم سلطنة عُمان بمبادئ أصيلة وثابتة في العمارة تتكامل بسهولة مع التقنيات الحديثة، مثل أنظمة الاستشعار الذكية، والتحكم في الإضاءة، والمحاكاة المناخية.
تقدم العمارة العُمانية التقليدية نموذجًا وظيفيًّا متقدمًا من حيث مواد البناء المحلية التي تقلّل من الانبعاثات وتوفّر عزلاً حراريًّا طبيعيًّا، كما أن النوافذ والمشربيات تنظّم التهوية والإضاءة بذكاء بيئي، ويضمن التخطيط المُتراص الذي يوجد مسارات مُظللة استفادة للمشي والتقليل من حرارة الشوارع.
تستلهم المدينة الذكية في سلطنة عُمان من التاريخ لتصوغ مستقبلًا متجذرًا في بيئة الناس وثقافتهم، وتعمل على تحويل المفاهيم التُراثية إلى حلول عملية مستدامة؛ فالتراث العُماني، بما يشمله من أنظمة كالأفلاج، والمباني الطينية، والممرات الضيقة، يوفر قاعدة تصميمية قابلة للتطوير ضمن مفاهيم المُدن الذكية، وهذه المكوّنات تتحول إلى أدوات فعالة في تقليل استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الهواء، وتوجيه حركة المشاة، وتعزيز الانسجام البصري والعُمراني.
ولا شك أن من أُسس العمارة العُمانية التي يجب أن تستمر في المُدن الذكية، التكيف مع البيئة والبناء المُستدام والتناغم مع التضاريس، وإدارة الموارد بذكاء، ولهذا تستطيع سلطنة عُمان ترجمة هذا العمل في المُدن الذكية من خلال المزج بين القديم والجديد، حيث مبدأ المجتمع قبل التكنولوجيا والسياحة الذكية المرتبطة بالهوية.
وخاصة أن سلطنة عُمان تمتلك خُصوصية فريدة في فنون البناء والتخطيط العُمراني، تعكس عبقرية العُمانيين في التوافق مع الطبيعة واحترام الموارد، حيث شكّلت حكمة الأجداد ومهاراتهم أساسًا متينًا استمر عبر الأجيال، إذ أدرك العُمانيون منذ القدم كيف يبنون مُدنًا تتكيف مع التنوع التضاريسي من الجبال إلى السواحل، ومن الصحراء إلى الواحات، مع الحفاظ على الهوية والاستدامة.