رندة نبيل رفعت
في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على هامش القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة في العاصمة بغداد، في لقاء حمل دلالات استراتيجية تتجاوز الطابع الثنائي، ليعكس تبلور محور عربي جديد يعيد ترتيب أولويات المنطقة.
وصرّح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، أن الرئيس السيسي أعرب عن تقديره لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مشيدًا بجهود العراق في تنظيم القمة، ومعربًا عن ثقة مصر في قدرة بغداد على قيادة العمل العربي خلال الفترة المقبلة، في ظل تحديات متزايدة تتطلب مواقف موحدة. من جانبه، ثمّن رئيس الوزراء العراقي الدور المصري المحوري في إدارة التوازنات الإقليمية، ودعمه الثابت لقضايا العرب في المحافل الدولية.
اللقاء تركز على تعزيز التعاون الثنائي، لا سيما في مجالات الاقتصاد والبنية التحتية والطاقة، حيث تم التأكيد على دور الشركات المصرية في دعم جهود التنمية داخل العراق، ضمن رؤية أوسع لخلق تكامل اقتصادي عربي قائم على المصالح المشتركة والتنمية المستدامة.
لكن البعد السياسي طغى على المشهد، مع تناغم كامل في الموقف تجاه العدوان على قطاع غزة، حيث شدد الجانبان على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون قيود.
كما أكدا رفضهما التام لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير سكان القطاع، مع التأكيد على الالتزام بالخطة العربية–الإسلامية لإعادة الإعمار باعتبارها السبيل الواقعي لإرساء استقرار دائم.
كما ناقش السيسي والسوداني سبل حماية الاستقرار الإقليمي ومنع اتساع رقعة الصراعات، مع تأكيدهما على ضرورة احترام سيادة الدول العربية وحماية حدودها ووحدة أراضيها، في وجه أي تدخلات خارجية أو مشاريع تقسيم ناعمة.
تحالف مصري–عراقي في مواجهة لحظة إقليمية حرجة
يتجاوز هذا اللقاء الطابع البروتوكولي، ليعكس تحولًا تدريجيًا في معادلات النفوذ داخل المنطقة. فالعراق، الذي يسعى اليوم إلى سياسة أكثر استقلالًا عن المحاور الدولية، يقترب من مصر، حاملة التوازن العربي التقليدي، لتشكيل جبهة إقليمية تميل إلى الواقعية السياسية، وترفض الاصطفاف الأحادي، سواء مع إيران أو الغرب.
وفي المقابل، ترى القاهرة في انخراطها المتزايد داخل العراق ليس مجرد تعاون تنموي، بل مدخلًا لإعادة التموضع في قلب مشهد عربي جديد، يُوازن بين الضرورات الأمنية، والفرص الاقتصادية، والمواقف الثابتة من القضايا المصيرية كفلسطين.
ويأتي هذا التلاقي وسط فتور متزايد في بعض جوانب العلاقة المصرية–الخليجية، مما يجعل بغداد – بكل ما تمثله من رمزية تاريخية وثقل بشري وموارد طبيعية – شريكًا عربيًا يُمكن الرهان عليه في صياغة مرحلة ما بعد غزة، وما بعد الاصطفافات التقليدية التي باتت عاجزة عن احتواء الانفجار الإقليمي.
من بغداد، وجه السيسي والسوداني رسالة عربية مضادة للفوضى، مفادها أن هناك طريقًا ثالثًا بين الاستقطاب والانكفاء، عنوانه: السيادة، التنمية، وفلسطين أولًا.