“أعمدة خفرع المزعومة: بين ضجّة السوشيال ميديا وصمت الحجارة الأثرية”

“أعمدة خفرع المزعومة: بين ضجّة السوشيال ميديا وصمت الحجارة الأثرية”


كتبت – رندة نبيل رفعت

في عالمٍ تتصارع فيه الحقائق التاريخية مع إشاعات وسائل التواصل الاجتماعي، اندلعت مؤخرًا ضجة واسعة حول ادعاءات غريبة عن وجود “أعمدة سرية” أسفل هرم الملك خفرع بمنطقة أهرامات الجيزة، لتُثير تساؤلات الجمهور بين مؤيدٍ ومتشكك. لكن سرعان ما تدخل العلم والكلمة الفصل للدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصري الأشهر، ليُسدل الستار على الجدل بتفنيده القاطع لهذه المزاعم، مُؤكدًا: “لا وجود لأعمدة تحت الهرم.. هذه شائعات لا أساس لها!”.

انطلقت الشائعات من منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تزعم ظهور “أعمدة غامضة” أثناء أعمال ترميم أو حفريات أسفل هرم خفرع، ثاني أكبر أهرامات الجيزة، مدعومة بصورٍ مُلتقطة من زوايا مُضللة أو مُعدلة رقميًا.

سرعان ما تحولت هذه الادعاءات إلى فيروسية، خاصة مع تداول أسماء وهمية لـ”خبراء” يُروجون لفكرة أن الهرم يخفي تحته “مدينة مفقودة” أو “أنفاقًا سرية”، في محاولة لربط الاكتشافات المزعومة بنظريات المؤامرة أو الحضارات الفضائية!

الكلمة الفصل من زاهي حواس: “لا حفائر.. ولا أعمدة”

ردًا على هذه الضجة، أصدر الدكتور زاهي حواس بيانًا رسميًا عبر صفحته على فيسبوك، وصف فيه المزاعم بأنها “محض خيال”، مُؤكدًا أن:

  • لا أعمال حفر أو ترميم تُجرى حاليًا في هرم خفرع من قِبل أي بعثة محلية أو دولية.
  • المجلس الأعلى للآثار لم يُصدر أي تصاريح لأشخاص أو فرق للعمل في الموقع، مما ينفي مصداقية الادعاءات.
  • قاعدة الهرم – وفقًا للدراسات العلمية – مُنحوتة من الصخر الطبيعي بارتفاع ٨ أمتار، وليست تحتها أي فراغات أو أعمدة.

وأضاف حواس في تصريحاته: “هذه الشائعات يطلقها أنصاف خبراء لا يفهمون طبيعة الأهرامات.. فكيف تُبنى أعمدة تحت هرمٍ قاعدته صخر واحد؟!”، مُشيرًا إلى أن تاريخ الأهرامات مدروسٌ بعناية عبر عقود من الأبحاث العلمية التي تُثبت أنها مباني جنائزية خالصة، لا تحوي أسرارًا خيالية.

لماذا هرم خفرع بالتحديد؟

يُعد هرم خفرع – رابع فراعنة الأسرة الرابعة – أحد أعظم الشواهد على براعة الهندسة المصرية القديمة. بُني قبل أكثر من 4500 عام، بارتفاع 136 مترًا، وما يُميزه هو احتفاظه بجزء من كساءه الخارجي الحجري عند القمة، بالإضافة إلى معبده الجنائزي الذي لا يزال يُظهر تفاصيل معمارية مدهشة.

لكن هذه العظمة نفسها جعلته دائمًا هدفًا للمغامرين وبائعي الوهم الذين يحاولون استغلال غموضه التاريخي لترويج نظريات غير علمية.

الشائعات الأثرية: إشكالية التلفيق في عصر السوشيال ميديا

ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها الأهرامات إلى مسرحٍ للادعاءات المثيرة. ففي السنوات الأخيرة، انتشرت مقاطع فيديو عن “أنفاق سرية تحت أبو الهول” أو “غرف خفية في الهرم الأكبر”، غالبًا ما يتم تداولها عبر حسابات تهدف إلى جذب المشاهدات عبر ربط الحضارة المصرية بالغموض أو القوى الخارقة.

الدكتور عصام حجي، العالم المصري المتخصص في علوم الفلك والآثار، علق على هذه الظاهرة في تصريح سابق: “بعضهم يخلط بين الخيال العلمي والواقع.. الأهرامات مباني عظيمة لكنها ليست بوابة لعوالم موازية!”.

حقائق لا تقبل الجدل:

  1. الهرم مبني على قاعدة صخرية: تم نحت جزء من قاعدة هرم خفرع مباشرةً من هضبة الجيزة الصخرية لضمان ثباته، وليس تحتها أي ممرات أو أعمدة.
  2. جميع الاكتشافات مُوثقة: أي عمل أثرى في المنطقة يتم الإعلان عنه رسميًا عبر قنوات المجلس الأعلى للآثار.
  3. التكنولوجيا تكشف الحقائق: استخدمت البعثات العلمية تقنيات مثل الرادار المخترق للأرض والمسح ثلاثي الأبعاد، ولم تُسجل أي فراغات غير معروفة تحت الهرم.

الخلاصة: الأثر لا يحتاج إلى أكاذيب ليبقى خالدًا

في النهاية، تظل الأهرامات – بكل صمودها – شاهدةً على عبقرية إرادة إنسانية اختزلت الزمن.

أما محاولات تلفيق “أسرارها المزعومة”، فلا تُسقط إلا أصحابها، لأن عظمة الحضارة المصرية لا تحتاج إلى شائعات لتبرهنَ على تفوقها.

وكما يقول المثل المصري: “الحجر الصادق ما يخشوش عليه المية”، فالحقيقة الأثرية تبقى، بينما تتبدد الأوهام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: