فاس – رندة نبيل رفعت
في ظل التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية، من محاولات اختراق الفكر المتطرف وتهديد الهوية الدينية المشتركة، تبرز مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة كصرحٍ ديني وثقافي يجسّد رؤية ملكية متجددة لتعزيز السلم الروحي والاجتماعي في إفريقيا.




هذه المؤسسة، التي أُسست عام 2015 بمبادرة من الملك محمد السادس، ليست مجرد كيانٍ رمزي، بل هي خارطة طريق عملية لترسيخ الإسلام الوسطي، والحفاظ على الموروث الديني المتنوع، وبناء جسور التعاون بين علماء القارة.
بحسب الدكتور سيدي محمد رفقي، الأمين العام للمؤسسة، فإن الهيكل التنظيمي والفكري للمؤسسة يستند إلى ثلاث ركائز:
- ترسيخ الثوابت الدينية المشتركة بين الدول الإفريقية، مع احترام التنوع المذهبي (المذاهب الأربعة) والثقافي.
- نشر قيم الإسلام السمحة عبر آليات عصرية، منها منصات التواصل الاجتماعي والندوات العلمية ومسابقات القرآن الكريم.
- مواجهة الغلو والتطرف من خلال تعزيز الخطاب الديني المعتدل القائم على التسامح والحوار.
ولأن المؤسسة ترفع شعار “الدين قبل السياسة”، فهي تتجنب تمامًا التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية الـ48 التي تشرف على فروعها فيها، مع التركيز بدلًا من ذلك على التنمية البشرية والاجتماعية عبر برامج دعم مادي وفكري للعلماء والمؤسسات التعليمية.
أكد الدكتور رفقي أن التعاون مع الأزهر الشريف ليس خيارًا ثانويًا، بل هو استمرارٌ طبيعي للعلاقات التاريخية بين المغرب ومصر، التي تجمعهما روابط دينية وثقافية عميقة.
هذا التحالف العلمي المُعلن يُرسّخ دور إفريقيا كقلب للعالم الإسلامي، وقوة ناعمة قادرة على إعادة صياغة الخطاب الديني العالمي بعيدًا عن الصراعات.
إفريقيا المسلمة: خصوصية التدين وحماية الهوية
تكشف المؤسسة عن فهمٍ عميق لخصوصية التدين في إفريقيا، حيث تتعايش المذاهب الإسلامية مع الثقافات المحلية بلغاتها وتقاليدها.
ولذلك، تدعو فروع المؤسسة إلى “حماية لغات الأجداد” ودمجها في الخطاب الديني، كجزء من استراتيجية الحفاظ على الهوية الإفريقية المسلمة من الذوبان في صراعات التغريب أو التطرف.
آليات عمل مبتكرة: من الندوات إلى الاستثمار في الإنسان
لا تكتفي المؤسسة بالخطاب النظري، بل تحوّله إلى أفعال ملموسة عبر:
- تنظيم ندوات محلية ودولية لتبادل الخبرات بين العلماء.
- دعم المشاريع الاجتماعية والتعليمية في المناطق النائية.
- استثمار الوسائل التكنولوجية لنشر الفتاوى والمواد الدينية بلغات إفريقية متعددة.
مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ليست مجرد منظمة دينية، بل هي نموذجٌ لإسلامٍ إفريقي متجذر في الأرض، منفتح على العصر، وقادر على تحويل التنوع إلى قوة دافعة للوحدة.
وفي ظل قيادة ملكية تؤمن بأن “الحفاظ على المذاهب هو حفاظ على الدين”، تبدو إفريقيا وكأنها تعيد اكتشاف نفسها كل يومٍ كقارةٍ قادرة على إلهام العالم بقيم الاعتدال والتعايش.