المغرب وإفريقيا: رؤية استراتيجية لمستقبل مشترك

المغرب وإفريقيا: رؤية استراتيجية لمستقبل مشترك

الرباط – رندة نبيل رفعت

لطالما شكلت إفريقيا حجر الزاوية في السياسة الخارجية للمغرب، حيث تنطلق المملكة من قناعة راسخة بأن القارة قادرة على رسم مسارها بنفسها من خلال تبني حلول نابعة من داخلها.

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال افتتاح الدورة الثانية لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية، أن التحديات التي تواجه القارة تتطلب نهجًا يعتمد على الحوار والوساطة، مع التركيز على الحلول الإفريقية التي تعكس الهوية والواقع القاري.

لا يمكن الحديث عن إفريقيا دون الإشارة إلى التحديات التي تعيق اندماجها الاقتصادي، حيث يبرز غياب البنية التحتية المتطورة، وضعف التمويل للمشاريع الإقليمية، والعراقيل الإدارية التي تحد من التعاون الاقتصادي بين الدول.

ومن هذا المنطلق، شدد بوريطة على ضرورة تجاوز هذه العقبات عبر تعزيز التعاون المشترك وتطوير آليات فعالة لضمان التكامل بين الاقتصادات الإفريقية، بما يتيح للقارة تحقيق تنمية مستدامة ومستقبل أكثر إشراقًا.

يرى المغرب أن للبرلمانيين دورًا محوريًا في مواكبة الحكومات في تنفيذ الإصلاحات وملاءمة التشريعات لمواكبة التحديات الراهنة.

فالبرلمان ليس مجرد فضاء للنقاش، بل هو آلية عملية لتعزيز العمل المشترك والتفاعل بين الدول الإفريقية، بما يسهم في صياغة مستقبل مشرق للقارة. ومن خلال هذا المنتدى، يعزز المغرب التزامه الثابت بالعمل جنبًا إلى جنب مع أشقائه الأفارقة لتحقيق السلام، الأمن، والتنمية المستدامة.

المغرب.. نموذج رائد في التعاون جنوب – جنوب

يضع المغرب إفريقيا في صدارة أولوياته الدبلوماسية، حيث تتجسد رؤيته في تعزيز التعاون جنوب – جنوب، باعتباره آلية ناجحة لتحقيق التنمية المستدامة. وتقوم هذه الرؤية على تعزيز القدرات في مختلف المجالات، من الأمن والاستقرار إلى التكامل الاقتصادي، بما يضمن بناء إفريقيا قوية ومستقلة.

وقد جعلت القيادة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، من القارة الإفريقية محور سياستها الخارجية، استنادًا إلى مبادئ احترام السيادة الوطنية للدول، عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتعزيز علاقات حسن الجوار.

ويؤمن الملك محمد السادس بقدرة إفريقيا على تحقيق نهضتها بنفسها، بعيدًا عن الوصاية الخارجية أو السياسات الانتهازية التي تسعى للهيمنة على مقدرات القارة.

المغرب واستثماراته الضخمة في إفريقيا

لا يقتصر التزام المغرب تجاه إفريقيا على الخطابات السياسية، بل يتجسد من خلال استثمارات استراتيجية تعزز التنمية في مختلف القطاعات:

الأمن الغذائي: استثمر المغرب عبر “المكتب الشريف للفوسفات” حوالي 5 مليارات دولار في إفريقيا لإنشاء مصانع إنتاج الأسمدة في إثيوبيا ونيجيريا والجابون، بهدف دعم القطاع الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي في القارة.

قطاع الطاقة: مشروع أنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي، الذي سيربط نيجيريا بالمغرب مرورًا بـ13 دولة إفريقية، بمسافة 6,890 كيلومترًا، باستثمار عالمي يتجاوز 25 مليار دولار، يشكل خطوة عملاقة نحو تعزيز التعاون الطاقي في القارة.

التنمية الاجتماعية والاقتصادية: يفضل المغرب الاستثمار وخلق القيمة المضافة بدلًا من الاقتصار على التجارة فقط، وهو ما يظهر جليًا في المبادرات الملكية الهادفة إلى تنمية منطقة الساحل والمحيط الأطلسي.

إفريقيا.. عمق استراتيجي للمغرب

بالنسبة للمغرب، إفريقيا ليست مجرد انتماء جغرافي، بل هي امتداد طبيعي وعمق استراتيجي، وروابط تاريخية وثقافية متجذرة. وما يمس القارة يمس المغرب مباشرة، حيث يرتبط استقرار المملكة بشكل وثيق باستقرار إفريقيا، كما أن تنميتها تُعد عنصرًا أساسيًا في ازدهار المغرب.

وفي ظل التحديات العالمية الراهنة، يعزز المغرب دوره كفاعل رئيسي في القارة، ملتزمًا برفع التحديات الكبرى التي تواجه إفريقيا في جميع المجالات، من حفظ السلام إلى تعزيز الأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية، إيمانًا منه بأن إفريقيا قادرة على النهوض بنفسها وتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

إن رؤية المغرب تجاه إفريقيا ليست مجرد استراتيجية سياسية، بل هي التزام عملي ومستدام يعكس قناعة عميقة بأن القارة تملك من الإمكانات ما يؤهلها لتحقيق نهضتها بنفسها.

ومن خلال التعاون المشترك وتضافر الجهود، تستطيع إفريقيا تجاوز التحديات وتحقيق التنمية المستدامة التي تستحقها.

ويبقى المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، رائدًا في هذا المسار، واضعًا أسسًا صلبة لشراكة إفريقية قائمة على الاحترام المتبادل، التضامن، والعمل المشترك من أجل مستقبل مشرق للقارة بأكملها.

بالبرلمانات الأفريقية: “أفريقيا قادرة على صنع مصيرها بيدها، وحلول أزماتها تنبع من داخلها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: