القاهرة – رندة نبيل رفعت
الفيتو الأمريكي سلاح السياسة الدولية وأداة عرقلة العدالة في سياق الصراعات الدولية، تتوجه أنظار العالم نحو مجلس الأمن الدولي بوصفه الهيئة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين.
إلا أن هذه الهيئة أصبحت في كثير من الأحيان ساحة للتجاذبات السياسية بين القوى الكبرى، لا سيما مع امتلاك خمس دول حق النقض (الفيتو). وفي مقدمة هذه الدول، الولايات المتحدة، التي استخدمت هذا الحق بشكل متكرر لتعطيل قرارات تصب في صالح الشعوب المستضعفة، وآخرها استخدام الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار في إحدى الأزمات الإنسانية الكبرى.
تعد الولايات المتحدة واحدة من أكثر الدول استخدامًا للفيتو في تاريخ مجلس الأمن، وغالبًا ما يكون هذا الاستخدام مرتبطًا بمصالحها الاستراتيجية وحماية حلفائها، خصوصًا إسرائيل.
فمنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض عشرات المرات لتعطيل قرارات تدين انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، أو لدعم تدخلات عسكرية تتماشى مع أجنداتها الجيوسياسية.
في الحالة الأخيرة، لجأت واشنطن إلى الفيتو لمنع صدور قرار دولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في صراع دموي أودى بحياة آلاف المدنيين. وبالرغم من الإجماع الدولي على أهمية وقف العنف وإنقاذ الأرواح، وقفت الولايات المتحدة في مواجهة هذا التوجه، مما أثار تساؤلات حول دورها الحقيقي في دعم السلم العالمي.
يعكس الفيتو الأمريكي ضد قرارات وقف إطلاق النار تهاونًا واضحًا أمام المعاناة الإنسانية. إذ يتسبب تعطيل مثل هذه القرارات في استمرار الصراع، وتعقيد الجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، وتعميق المآسي في المناطق المتضررة.
كما يبعث رسالة مفادها أن المصالح السياسية يمكن أن تتفوق على حقوق الإنسان والقيم الأساسية التي تأسست عليها الأمم المتحدة.
تبرز ازدواجية المعايير بشكل واضح في استخدام الولايات المتحدة للفيتو، حيث تبرر تدخلها في نزاعات دولية بحجة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تستخدم نفس الحق لتعطيل قرارات تدعو لإنهاء الحروب وإنقاذ المدنيين.
هذه الازدواجية تضعف الثقة بمجلس الأمن كآلية لتحقيق العدالة الدولية، وتثير تساؤلات حول ضرورة إصلاح نظام الفيتو لضمان عدم استغلاله لتحقيق مصالح ضيقة.
مع تزايد الانتقادات للفيتو الأمريكي، تجددت الدعوات لإصلاح نظام مجلس الأمن. يرى العديد من الخبراء والمحللين أن حق النقض، بصيغته الحالية، يمثل عائقًا أمام تحقيق العدالة والسلام. وتتضمن مقترحات الإصلاح تقييد استخدام الفيتو في الحالات المتعلقة بالأزمات الإنسانية الكبرى، أو إنشاء آلية تصويت تتطلب إجماعًا أوسع قبل تفعيل حق النقض.
وختاما يبقى استخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن انعكاسًا واضحًا للتوازنات غير العادلة في النظام الدولي الحالي. وفي ظل التحديات الإنسانية المتزايدة، يصبح من الضروري إعادة النظر في هيكلية مجلس الأمن، بما يضمن تمثيلًا أكثر عدالة، ويحول دون عرقلة القرارات المصيرية التي تؤثر على حياة الملايين.
فبدون إصلاح حقيقي، سيظل الفيتو أداة في أيدي القوى الكبرى لتعزيز هيمنتها على حساب معاناة الشعوب.