القاهرة – رندة نبيل رفعت
تعرف العلاقات المغربية الإسبانية دينامية جديدة و”صفاء واضحا” و”تقاربا وثيقا” بسبب تقارب وتطابق وجهات نظر البلدين في عدد من الملفات، خصوصاً وأن مدريد غيرت موقفها من الصحراء المغربية، وأصبحت تدعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية هذا النزاع.
تعتبر إسبانيا أن موقفها “موقف سيادي”، وتتشبث بمخرجات الإعلان المشترك المنبثق عن المباحثات التي أجراها، في أبريل من العام 2022، رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، مع العاهل المغربي محمد السادس، والتي أسست لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
من جهة ثانية، لا زال احتلال إسبانيا لمدينتي “سبتة” و”مليلية” المغربيتين، بحكم التاريخ والجغرافيا والقانون، من القضايا الشائكة بين المملكتين، حيث تتصاعد التوترات بين الجانبين في كل مرة يتم فيها عقد انتخابات في إسبانيا، حيث يستغل عدد الأحزاب الإسبانية المتنافسة، خصوصاً “حزب فوكس” و”الحزب الشعبي” اليمينيين، هذا الملف لزيادة حظوظها في سياق “معارك انتخابية”.
لم يصل هذا الملف إلى مستوى يمكن تسميته بـ”أزمة” بين الطرفين، لكون سجال سبتة ومليلية المغربيتين كان ومازال في الاتجاه نفسه، ويبقى ضمن الحدود المعقولة في التناول دون أن يشكل حاجزا يمنع تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، بالرغم من استمرار المغرب في رفض الاعتراف بالسيادة الإسبانية على المدينتين ويعتبرهما أراضي مغربية محتلة، في حين ترفض مدريد هذا الموقف وتصر على أن المدينتين هما حدود لإسبانيا في الجنوب.من جهة ثانية، ومنذ أن أوقف المغرب بشكل نهائي ما كان يسمى “التهريب المعيشي” عبر سبتة ومليلية المحتلتين في عام 2018، وأبدى عزمه على تنفيذ استراتيجيته لإغلاق الحدود أمام التهريب بشكل نهائي من أجل تعزيز اقتصاده المحلي والحد من الخسائر الاقتصادية المرتبط بنشاط التهريب، بدأت المدينتين تواجهان أزمة اقتصادية خانقة بسبب اعتمادهما بشكل واسع على حركة البضائع عبر الحدود المغربية التي تعتبر “شريان حياة” لهما لعقود طويلة، الأمر الذي دعا جهات إسبانية، من بينها “الحزب الشعبي” الإسباني، إلى “إنشاء بدائل اقتصادية تكون غير مرتبطة بمرور البضائع نحو المغرب”.
بالموازاة مع ذلك، يطمح المغرب لتحقيق العديد من المكاسب من نهجه سياسة “إغلاق التهريب المعيشي”، وذلك من خلال زيادة إيراداته الجمركية التي كانت تضيع بسبب دخول السلع المهربة، المقدّرة بحوالي نصف مليار دولار سنويا، دون دفع الرسوم الجمركية، وتعزيز قدرة المنتجات المحلية على المنافسة وتحسين جودة منتجاته وزيادة الإنتاج المحلي، إضافة إلى تحسين الميزان التجاري مع إسبانيا عبر تقليل الواردات غير الرسمية وخلق فرص عمل جديدة في القطاعات الرسمية وخفض مستوى البطالة تحقيقاً للاستقرار الاجتماعي.
يرى المغرب أن غلق “التهريب المعيشي” سيعزز الأمن والاستقرار ويقلل الأنشطة غير القانونية في المناطق الحدودية، مما سيعود بالنفع على المجتمعات المحلية، ويزيد من قوة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسبانيا، حيث قد سيؤدي إلى تعاون أكبر بين البلدين في مجالات متعددة مثل التجارة والأمن، وسيحسن من صورة المغرب دولياً باعتبارها دولة تحترم القانون وملتزمة بالتجارة العادلة، وهو ما قد يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي يضعها في صلب استراتيجيته التنموية.