معهد أميركي يقدم قراءة للمشروع الرئاسي بشأن المصالحة

معهد أميركي يقدم قراءة للمشروع الرئاسي بشأن المصالحة

القاهرة – رندة نبيل رفعت

قدّم معهد أميركي شرحاً لملابسات مبادرة المجلس الرئاسي بشأن المصالحة الوطنية في ليبيا، والتي عرضها عضو المجلس عبدالله اللافي ووفد ليبي في منتصف مارس الماضي في العاصمة واشنطن، بالتزامن مع التحضير لمبادرة أطلقها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن تستهدف إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.ورأى معهد الولايات المتحدة للسلام بواشنطن، في تحليل نُشر اليوم الأربعاء، أن مبادرة باتيلي «يجب أن تكون جزءاً من جهد مصالحة أكبر وشامل لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا»، مستشهداً بقول اللافي إن «المصالحة والانتخابات لا يمكن أن يتحققا إلا من قبل الليبيين أنفسهم».وأشار التقرير إلى أن المجتمع الدولي اصطف لدعم مبادرة الانتخابات الجديدة للأمم المتحدة، لكن «الليبيين لديهم أفكارهم الخاصة حول من يجب أن يقود».وفي واشنطن، قدم اللافي وأعضاء وفده مبادرتهم الخاصة بمشروع مصالحة وطنية من أجل خلق عملية بقيادة ليبية تكمل خطة الانتخابات التي اقترحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي.وذكّر التقرير بالوضع المعقّد في ليبيا بعد أكثر من عقد من الصراع، حيث تتنافس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة (المدعومة من الأمم المتحدة) على السلطة مع مجلس النواب بدعم من المشير خليفة حفتر، لافتاً إلى أن لا تزال «مجموعة من القوى الأجنبية تدعم هذا الجانب أو ذاك، وتركز على تعزيز مصالحها الخاصة على حساب السلام والأمن في ليبيا»، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الخطة السابقة للأمم المتحدة لإجراء انتخابات عام 2021 باءت بالفشل، لكن القتال بين الشرق والغرب هدأ إلى حد كبير في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، مع عدم وجود خطة للمصالحة الوطنية في المستقبل القريب، يمكن أن يتعطل الوضع الراهن المستقر في أي وقت.وأوضح المعهد الأميركي أن اللافي سافر إلى واشنطن مع رئيس مجلس التخطيط الوطني مفتاح عبدالواحد الحرير، وعضو مجلس النواب أيمن سيف النصر، لإشراك صانعي السياسة الأميركيين بشأن الحاجة إلى تركيز متجدد على المصالحة الوطنية والتماس مشاركة دبلوماسية أميركية أعمق، وهي الزيارة التي نسقها معهد السلام الأميركي ودعمها.يوجز الاقتراح الذي قدمه اللافي في واشنطن، والذي جرى إنتاجه بدعم من مجلس التخطيط الوطني الليبي ومركز جامعة بنغازي للقانون والدراسات الاجتماعية، خمسة «مبادئ حاكمة» أو نقاط تركيز يجب القيام بها لتعزيز المصالحة الوطنية لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع. ويحدد التقرير 33 قضية، مجمعة في خمس فئات، والتي هي في قلب الحرب الأهلية في ليبيا، بالإضافة إلى احترام سيادة القانون، لا سيما فيما يتعلق بإصدار وتنفيذ التشريعات التي تحمي الأفراد و(الشركات) من العدالة الأهلية والاستغلال والفساد والعدالة الجزائية والتطبيق التعسفي للقانون، وحماية الحريات الفردية والحماية من التمييز على أساس العرق أو القبيلة أو الأصل الجغرافي أو الجنس أو المعتقدات السياسية، ومعالجة الاحتياجات العامة بجهد واضح ومتسق، وتنسيق الجهود التي تعزز المصالحة والعدالة التصالحية، مع دمج أفضل الممارسات والدروس المستفادة في جميع مراحل العملية، بحسب التقرير.قراءة لوثيقة المصالحة الوطينةوفي قرائته للوثيقة، يرى التقرير أن هناك عدة نقاط رئيسية تستجيب لبعض المشاكل الأكثر إثارة للجدل والمربكة التي تمنع التقدم السياسي في ليبيا اليوم. على سبيل المثال، كيف يمكن تقاسم المسؤوليات والسلطات مع الحكومة المركزية والأقاليم؟ ويوصي الاقتراح بنظام لامركزي، مع دستور جديد يوضح بالتفصيل كيفية نقل مؤسسات ووظائف الدولة الإدارية إلى السلطات المحلية. وبينما ينادي بنقل السلطات، يؤكد الاقتراح أيضًا على أن ليبيا يجب أن تظل دولة موحدة، وليست مقسمة إلى ثلاثة (أو أكثر) أقاليم كما تنبأ البعض.وفيما يتعلق بدور الدين، يوضح الاقتراح أن الشريعة ستكون بمثابة الأساس الأساسي للتشريع، المنصوص عليه في الدستور. أما بالنسبة للسلطة التنفيذية، فقد أكد التقرير الحاجة إلى توزيع متوازن للسلطة بين الفروع الحكومية مع قضاء مستقل تمامًا، على أن يتم تحديده بوضوح في الدستور الجديد المرتقب.الانتخابات وحدها ليست الحلويشير التقرير إلى أن العديد من مراقبي ليبيا يتفقون مع اللافي ووفده على أن مبادرة باتيلي الجديدة تضع الكثير من التركيز على الانتخابات – لا سيما بالنظر إلى الجهود الفاشلة لعقدها في عام 2021 – بينما تتجاهل مخاوف أخرى أكثر إلحاحًا، فقد شكلت قبل عامين الأسئلة التي لم يجرِ حلها بشأن أهلية المرشح والغموض الدستوري عقبات كبيرة، وهي القضايا التي لا تزال دون حل حتى اليوم.وأشار المعهد الأميركي إلى تأكيد باتيلي أن الطبقة السياسية الحالية تعاني من «أزمة شرعية» وأن معظم مؤسسات الدولة «فقدت سلطتها» في أعين الليبيين العاديين منذ سنوات، لذلك يرى أن الانتخابات الناجحة ضرورية لإضفاء الشرعية على حكومة ليبية جديدة وتمكينها من مواجهة أصعب التحديات في البلاد، مثل نزع سلاح الميليشيات، وتقاسم عائدات النفط، وإعادة الإعمار، ووجود القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب داخل البلاد، والتمثيل السياسي والمواطنة، خاصة بالنسبة للمجتمعات المهمشة تاريخياً، والهجرة غير النظامية وأمن الحدود، من بين أمور أخرى.ورداً على الاستفسارات في واشنطن حول مبادرة باتيلي الجديدة، اتخذ اللافي موقفاً حذراً، بحسب التقرير، حيث نصح المراقبون بحجب الحكم حتى يتم الكشف عن مزيد من التفاصيل عن خطة المبعوث الأممي – لا سيما «اللجنة التسييرية رفيعة المستوى» المقترحة.وفي فبراير، قال باتيلي إن «جميع أصحاب المصلحة المعنيين» (يشاع أن 40-45 ليبيًا) ستلتئم لتسهيل اعتماد إطار قانوني وخارطة طريق محددة زمنيًا لإجراء الانتخابات في عام 2023. كما أشار اللافي، قد يكون اختيار أصحاب المصلحة هؤلاء بحد ذاته مثيرًا للجدل ومعقداً ويستغرق وقتاً طويلاً، مما قد يؤدي إلى تأخير الانتخابات حتى عام 2024 أو ما بعدها لذلك يعتقد المعهد أن الانتخابات قد لا تجرى، حيث قد لا يتم تشكيل اللجنة التسييرية أبدًا.ويتضمن نهج اللافي جدولاً زمنيا للمصالحة يبدأ مع تبنّي المجلس الرئاسي قرار مصالحة وطنية ليكون أساس أي قوانين جديدة. مع ظهور إجراءات تشريعية جديدة، سيقود مجلس التخطيط الوطني عملية تعميم مسودات القانون الجديد المقترحة على الأطراف المعنية بما في ذلك المجتمع المدني والخبراء القانونيين. وسيتم بعد ذلك دمج المسودة النهائية لأي قانون جديد في مشروع قانون واحد لينظر فيه مجلس النواب في إطار «مؤتمر وطني» يعقده مجلس الرئاسة، بحسب التقرير.ويرصد التقرير أن اقتراح اللافي لا يقدم تفاصيل عن المؤتمر الوطني، إلا أن هذا لن يكون أول جهد من هذا القبيل لجمع الليبيين على نطاق وطني. ففي عام 2019، خططت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر وطني مع 120-150 من القادة الليبيين في مدينة غدامس، لكن الهجوم العسكري بقيادة حفتر أحبطه، ويشير التقرير إلى أن المعرقلين قد يحاولون تقويض لجنة التسيير رفيعة المستوى لباتيلي هذه المرة أيضاً، كما ليس من الواضح أن مؤتمر اللافي الوطني سيكون أكثر نجاحاً. ومع ذلك، يبدو أن هناك إجماعًا على أن الليبيين بحاجة إلى التحدث مع بعضهم البعض لإعادة بناء الثقة.وركز التقرير على إشارة اللافي إلى وجود عجز كبير في الثقة بين الليبيين، وقد عزز هذا إحساساً حقيقياً بأن الانتخابات المقبلة ستكون محصلتها صفراً، حيث يستخدم الفائزون قوتهم ومواردهم الجديدة لفرض «العدالة» على الخاسرين.ويقرأ التقرير في حديث اللافي دعوته إلى عفو شامل عن السياسيين وغيرهم ممن قد يكونون أهدافاً لمثل هذه الأعمال الانتقامية، ورآها المعهد الأميركي «فكرة مثيرة للاهتمام ليس لها مثيل في البلدان الأخرى التي مزقتها الحروب».ومع ذلك، يرى التقرير أن برامج العفو الشامل التي لا تميز بين «خطورة الجرائم» يمكن أن تخلق عقبة أمام المصالحة، فإذا جرى التوصل إلى اتفاق عفو بين الفصائل الليبية المتناحرة، فسيكون من الضروري ضمان ألا ينظر إليه الجمهور على أنه محاولة لخدمة مصالحها الذاتية من قبل النخب السياسية لحماية أنفسهم من الملاحقة القضائية المبررة.قلق واشنطن بشأن ليبياولفت المعهد إلى أن الاهتمام الدولي تحول بعيداً عن ليبيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، لكن اليوم يدور القلق بشأن ليبيا في واشنطن بشكل أساسي حول أنشطة مجموعة «فاغنر» المدعومة من روسيا. وأدى انسحاب بعض قوات «فاغنر» والتوقف الحالي للقتال إلى تهدئة الكثيرين للاعتقاد بأن الوضع في ليبيا مستقر ولا يستدعي اهتماماً وثيقاً. وقررت أوروبا والولايات المتحدة أن حل الصراع الليبي هو الآن مسؤولية الأمم المتحدة وكل جهودهما موجهة لدعم مبادرة الأمم المتحدة الجديدة.الولايات المتحدة ستمنح باتيلي كل فرص النجاحواختتم التقرير بأن الوفد الليبي لقي استقبالاً حاراً في واشنطن من قبل صناع السياسة الأميركيين، الذين يحرصون على رؤية الليبيين يأخذون زمام المبادرة لحل نزاعهم الداخلي. ومع ذلك، أوضحت الولايات المتحدة أن كل طاقتها ودعمها سيتجه نحو باتيلي، حيث لم يتم إيجاد مسارات موازية أو بديلة للسلام، على الأقل حتى الآن.وقال المعهد: «سيتم منح باتيلي كل فرصة للنجاح، ولكن إذا تعثر أو فقدت مبادرته الزخم، فقد تكون هناك فرصة لتغيير المسار. حقيقة أن اللافي وزملائه قد وضعوا خطة تضعهم في موقف قوي لتولّي زمام الأمور إذا فشلت الانتخابات في تحقيق أو إنتاج حكومة فعالة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: