الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو
تحاول شعوب ودول المنطقة البحث عن عوامل تحقيق الاستقرار والأمن والسلام في ظل ظروف صعبة تزايدت فيها التحديات المختلفة و كذلك عوامل التوتر والفوضى مع وجود جملة من التراكمات الضخمة والقضايا العالقة الناتجة عن استمرار التوظيف السلطوي الداخلي والقوى الخارجية لهذه المشاكل المفروضة و المصطنعة، التي لم يتم حلها أو حتى البت فيها أو امتلاك القرار والإرادة الكافية لحلها من قبل القوى والسلطات النافذة الموجودة في دول المنطقة، علاوة على دوام التدخلات الخارجية الإقليمية والعالمية بغرض الهيمنة والنهب وسد الطريق أمام أية سياقات ومسارات مجتمعية وطنية تشاركية حرة وديمقراطية خارج إرادة وتحكم الهيمنة العالمية.
مع الحرب العالمية الأول و تطبيق سياسية فرق-تسد عبر اتفاقيات تقسيم مجتمعات وشعوب وجغرافية المنطقة وعبر الهيمنة الفكرية على الحياة السياسية واختياراتها السلوكية وبوصلة توجهاتها وتشكيل هياكل أيدولوجية و أدوات وظيفية ضمنها كجمعيات “الشباب” أو “الفتاة” والتي منها ظهرت كافة التفاعلات السياسة الأداتية و ميولها القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية وصولاً لبناء نظم مالية و اقتصادية احتكارية ملزمة للسلطات والحكومات والدولة الوظيفية المصطنعة حتى تنال الشرعية الإقليمية و الدولية من نظام الهيمنة العالمية الاحتكاري. وهكذا تم خلق بيئة التوتر و حواضن القلق وعدم الاستقرار والأمن الهش والسلام المزيف، وبالتالي استهداف المجتمعات والشعوب الأصيلة، لأن الإنكار والانصهار والإبادة والذكورية المقية والاحتكار الناتج عن تقديس الدولة القومية كإله مع الفكر والسلوك الأحادي الفاشي الحتمي الملزم لإنشاء أمة الدولة النمطية المتجانسة لم يكن إلا تخريباً وتصفية وإضعافاً لحالة التعدد والتنوع في الحياة الاجتماعية والثقافية والتكامل الديمقراطي والتعايش المشترك وألوان المنطقة المختلفة المزدهرة منذ ألاف السنين وقيمها الأخلاقية المجتمعية.
تم العيش في ظل نظام إقليمي ودولي متأزم ومستمر إلى اليوم، أثبت فشله على كافة المستويات لبعده عن تمثيل حقيقة المنطقة ومصالح وقيم شعوبها ولم يكن يوماً إلا لخدمة أفراد وسلطة وطبقة معينة لا في صالح المجتمعات والشعوب، و لعل حالات الإبادة و الفوضى والقلق والصراعات الحاصلة والحروب الداخلية والخارجية داخل دول المنطقة ومع محيطها وصراعات السلطة و البقاء في الحكم حتى على خراب البلد وتهجير الناس، إضافة إلى حالة التبعية وانتظار الحل من الخارج وقوى الهيمنة العالمية وعدم الثقة وضعف الإيمان بالمجتمعات والشعوب وقدرتهم على إيجاد الحلول وبناء الحياة المستقرة والبحث في دهاليز المؤتمرات والقمم الدورية التي تقيمها قوى الهيمنة العالمية وتوابعهم لمصالحهم و لدوام هيمنتهم ونهبهم وتضليل الشعوب بصور براقة وكلمات معسولة و بيانات لا تفيد بشيء، تبين مرة أخرى حالة الفراغ السياسي والفكري والفلسفي في المنطقة وحجم الخضوع والخنوع للقوى المركزية العالمية وتوابعهم وأدواتهم الإقليميين دون امتلاك إرادة وقوة الحل واستقلالية القرار والمشروع المتكامل الشامل لتجاوز الأزمات الموجودة. و من المفيد القول أن حصر الأداء والعمل في الكلام والبيانات فقط دون التطبيق أو وجود أليات تنفيذية وتكرار ذلك لامعنى له سوى إرسال رسائل للغزاة والمعتدين والمتجاوزين للسيادة والمتدخلين بأننا ضعفاء وأبوابنا مفتوحة لكم طالما لانفعل سوى الكلام والخطابات والبيانات كما هي الكلام عن التجاوزات التركية والإيرانية وغيرها على الأمن والاستقرار واحتلالها لبعض المناطق في دول المنطقة وتمددهم ولو بخطوات بطيئة وفق الظروف والمعطيات.
كيف يمكننا البحث عن الحلول الديمقراطية والسياسية والسلمية، هل نبحث عنها في أجهزة الدولة والسلطة و دهاليز وقاعات العرض والاجتماعات الدولتية الإقليمية والعالمية وبين بياناتها الخطابية والمؤتمرات الصحفية أم نبحث عنها ضمن المجتمعات والشعوب ووفق قيمهم وأولوياتهم ومؤسساتهم الديمقراطية كونهم أصحاب المعاناة والباحثين الحقيقيين والساعيين عن الحلول الحقيقية الديمقراطية والحرة. فمثلاً كيف يمكن أن نحقق الاستقرار والسلام والأمن في العراق وسوريا وليبيا في مؤتمرات وقمم يتم دعوة وحضور وإصدار البيانات الختامية بموافقة من يقوم باحتلال أراضي هذه الدولة وتجاوز سيادتهم وقتل مواطنيهم وبل يقوم ممثلين هذه الدول المعتدية بتسويق رواياتهم وأكاذيبهم وإلصاق التهم بالقوى المجتمعية المناضلة والقول أنهم سيستمرون فيما يفعلون من تجاوزات، كما رددها ممثل السلطة التركية والنظام الإيراني في مؤتمر (بغداد ٢) و بل يأخذون هذه المؤتمرات المنعقدة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، منصات لتقديم بروباغندا لسياسات دولهم وحكوماتهم الإرهابية التي تحتل وتسجن وتقتل وتهجر وتمارس التطهير العرقي والتغير الديموغرافي دون أن رادع من النظام الإقليمي والدولي، وكل ذلك تحت اسم العلاقات الثنائية والقوانين الدولية التي تفسر وتطبق بأشكال انتقائية، وكأن لكل واحد مزرعته يفعل فيه بالشعوب الموجودة ضمنها ما يشاء وعلى الأخرين التزام الصمت وعدم التدخل طالما هو لا يتدخل في شؤونهم وأصبحت كرامة الإنسان وحقوقه ووجوده وحريته وكذلك المجتمعات رهينة وحبيسة قوانين ومعايير يتم وضعها لشرعنة السلطات والاحتكار وتقيد ساحة الحرية والعمل للمجتمعات والشعوب وليس لأجل الحفاظ على الحقوق وضمان وجود المساحة الكافية للفرد والمجتمع لكي يكون حياتهم وفق إرادتهم الحرة وذهنيتهم التشاركية الديمقراطية.
وكيف يمكن الحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيقه في دول المنطقة وهناك من دول المنطقة وسلطاتها من لها مشاريع استعمارية وتدعم داعش والقاعدة والإخوان الإرهابيين وتؤمن لهم مساحات للنشاط والتدريب وبيئات مناسبة للنمو ومناطق آمنة لتواجدهم و تمركز سلطتهم وتعزيز نفوذهم للانطلاق إلى دول المنطقة كما تفعلها تركيا في داخلها وفي مناطق احتلالها وتواجدها في العراق وسوريا وليبيا والصومال وغيرها، وبالمثل هل يمكن أن يسود السلام في المنطقة وهناك من يتمدد في دول المنطقة وبين شعوبها ويبني أذرع عسكرية وفي الوقت نفسه يعدم شعبه فقط لأنهم تظاهروا للمطالبة بحقوقهم المشروعة والمهدورة كما هو حاصل في إيران. وكيف سيتحقق السلام والأمن وهناك من دول الإقليم من يريد توسيع هيمنته دون حل القضايا الأساسية واستغلال ظروف الضعف وتشتت الأخريين كفرصة كما تفعلها دولة إسرائيل وتركيا وإيران أو حلها وفق ما يخدم سياستهم هذه. وكما أنه نستطيع السؤال هل يمكن أن يكون هناك أمن واستقرار بدون أن يتم تجاوز الجنسوية والذكورية ودون أن تكون للمرأة كيانها وكلمتها وتنظيمها وإرادتها الحرة وكيف لنا أن نحقق الحلول ونحن نمتلك عقلية ومقاربة المشكلة والعقدة نفسها و بل نقدسها فوق ذلك رغم أنها أصنام علينا كسرها وتجاوزها بعد إدراك حقيقتها وحجم المصيبة والكارثة فيها أولاً كما هو الإسلام السياسي والدولة القومية والقوموية والجنسوية والعلمانوية .
وعلينا الإشارة أنه علينا أن نعني بالاستقرار والأمن كافة جوانب الحياة ومنها السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية والفكرية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها العديد وعدم حصرها في الجانب الاقتصادي فقط وكأن الحياة قائمة فقط على جانب واحد رغم أهميته، ولا يمكن أن يكون هناك استقرار وأمن إلا بوجود الحرية والديمقراطية والعدالة مع الوعي والفهم الكافي.
إن ثقافة ورغبة التفاعل الإيجابي و الحوار والتشاور والاحترام والاجتماع والتفاوض والتشارك ضرورة مجتمعية وإنسانية معنوياً ومادياً وحاجة وسبيل لابد منه، متجسدة في الدبلوماسية المجتمعية والرسمية الدولتية بكافة أنواعها لحل القضايا والمشاكل العالقة والأزمات البنيوية وبناء الاستقرار الاستراتيجي الاجتماعي وتأمين المنافع المتبادلة والوصول للسلام الحقيقي، و معلوم أن كل أزمة وخلاف وصراع يستلزم في النهاية الجلوس والتحاور والتفاوض والاتفاق، لكن لابد أن تكون الظروف والشروط مهيئة مع حتمية تجاوز الذهنية والسلوكية الأحادية والإلغائية والمعادلات الصفرية تجاه الأخر المختَلف معه لإنجاح الحوار والتفاوض ولا بد من وجود مشروع واضح المعالم للعمل عليه وكما أنه لابد أن تكون لهذه الثقافة التفاعلية والأداء الإنساني النبيل جوهره وطريقة أدائه وهدفه الأخلاقي الإنساني والسياسي الديمقراطي لخدمة كافة الشعوب والمجتمعات ووفقاً لحقيقتهم التاريخية والاجتماعية وثقافتهم الأصيلة وليس كأداة لأجل سلطات ونظم وشبكات دولية وإقليمية هدفها السيطرة والنهب والهيمنة والربح دون أي اعتبار للإنسان والمجتمع والبيئة، وبالتالي بناء الإنسان والمجتمع الأمن والمستقر تبقى الخطوة الصحيحة نحو أية حلول وانطلاقات حضارية وعلى دول المنطقة وبكافة تسمياتها وتشكيلاتها ونظمها قبول وإجراء التحول الديمقراطي وعندها يمكنهم التعايش مع الحالات المجتمعية الديمقراطية وبناء أرضية وطنية للحل وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام المنشود.