معادلة الإفلاس السياسي هزلية مسرحية استنبول

معادلة الإفلاس السياسي هزلية مسرحية استنبول

ليلى موسى – ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بمصر
الدولة التركية التي بنيت على جماجم الشعوب، عبر ممارسة جميع أشكال الجينوسايد بحقهم ومازالت ماضية في ذلك، انطلاقاً من نظريتها بأن استمرارية وديمومة بقاءها في سدة الحكم والسلطة يمر عبر القضاء على شعوب المنطقة الأصلاء ومحو تاريخهم وتزيف الحقائق.
ولكن مع كل مرحلة تاريخية مفصلية تمر بها الحكومات التركية، عندما يكون وجودها في سدة السلطة مهددة بخطر الزوال تعمل على تغيير في نبرة خطابها حيال المعارضة وإبداء البعض من المرونة ولغة الحوار والتسامح والجلوس على طاولة التفاوض، حتى تتمكن من كسب المزيد من الوقت، لتمرير أجنداتها ومن ثم العودة إلى ما كانت عليه، وكل ما تقوم بها عبارة عن خطوات تكتيكية لتمرير استراتيجيتها القائمة على إبادة الشعوب.
هنا سنحاول تسليط الضوء على بعض من المفبركات التركية ضمن سياقات التاريخ الحديث.
عندما كانت تعيش مراحل عصيبة في صراعها مع الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني، والذي استطاع الأخير استنزاف السلطات التركية وإجبارهم على التفاوض حينها، حاول تورغوت أوزال الجلوس على طاولة التفاوض مع السيد أوجلان لحل القضية الكردية في تركيا عام 1993م بالسبل السلمية، والطلب حينها من السيد جلال طالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والرئيس العراق الأسبق، بأن يكون الوسيط في تلك المفاوضات إلى أن وصلت نتائج المفاوضات إلى مرحلة من النضوج والحلول ترضي الطرفين. ففي نفس اليوم الذي كان من المفترض أن يتم الاتصال الهاتفي بين أوزال والسيد أوجلان أعلن عن وفاة أوزال بظروف غامضة بحسب مذكرات السيد أوجلان.
ففي التوقيت الذي أعلن فيه السيد أوجلان وقف اطلاق النار تمهيداً للبدء عملية السلام قامت الاستخبارات التركية عبر أحد عملائها داخل الحزب، بنصب كمين لجنود أتراك عائدون من إجازاتهم في منطقة بينغول راح ضحيتها ثلاثة وثلاثون جندياً.
أما الحادثة الأخرى فكانت عندما دخل أردوغان في عملية تفاوض مع السيد أوجلان لأجل حل القضية الكردية بناء على المبادرة التي اطلقها السيد أوجلان في نوروز عام 2013، واستمر التفاوض والحوار لعام 2015م، حيث قامت حكومة العدالة والتنمية على نسف تلك الجهود وعملية التفاوض. حيث أنها شعرت بأن هناك تهديد جدي على استمراريتها في السلطة بعد النجاح الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية. ففي المرة الأولى قام بطعن نتائج الانتخابات وفرض عملية إعادة الانتخابات التي جاءت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، بالتزامن من سيطرة داعش على مساحات شاسعة في سوريا والعراق.
وجدت تركيا في داعش حبل النجاة حيث أنها ستتمكن من جهة نسف عملية السلام مع السيد أوجلان والقضاء على القضية الكردية وتركها في حالة من الأزمة والمماطلة والتسويف، ومن جهة أخرى القضاء على مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
بالفعل قامت الاستخبارات التركية بافتعال تفجير أنقرة والذي راح ضحيته ما يزيد عن 100 قتيل ومئات الجرحى، والتفجير الثاني في سروج الذي راح ضحيته 32 قتيل ومئة جريح.
لتبدأ تركيا بعدها مرة جديدة بعدما كانت تتدخل عبر أدواتها من التنظيمات الإسلاموية الإرهابية، عبر احتلالها المباشر لإعزاز وجرابلس والباب 2016م بذريعة مكافحة تنظيم داعش، ولكنها في الحقيقة كانت خطوة لقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية من التمدد بعد تحريرها لمدينة منبج.
بعد جولات من المفاوضات والضغوطات كبيرة التي مارستها تركيا على المجتمع الدولي لإقناعه بالحصول على الضوء الأخضر بشن عملية عسكرية جديدة على مناطق الإدارة الذاتية، والتي باءت جميع محاولاتها تلك بالفشل.
أعلنت سياسة جديدة عبر الانفتاح على سلطة دمشق بوساطة روسية كانت أولى ثمارها السماح لجبهة النصرة بالسيطرة على منطقة عفرين المحتلة والباب، مقابل العمل على العودة القسرية للاجئين السوريين إلى سوريا لإضفاء الشرعية على سلطة دمشق من جهة، ولدوافع أخرى ربما في قادم الأيام تتوضح أكثر من جهة أخرى. ولكن المعلوم والأكيد هو توحيد وتكثيف الجهود في ضرب مشروع الإدارة الذاتية كمشروع وطني قائم على التعددية والمشاركة.
بعد التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي شهدها الشمال السوري وسط استياء واستنكار شعبي ودولي، وحدوث التفجير الإرهابي في استنبول. السؤال الذي يطرح نفسه، ما دلالات توقيت التفجير، وما هي الدوافع الكامنة وراءه ومن هو المستفيد الرئيسي منه؟
جاء التفجير قبل يوم من ذهاب أردوغان لحضور قمة العشرين، وفيها سيلتقي بايدن وقادة أخرين، وعادة ما يستغل أردوغان هكذا محافل دولية لفرض أجنداته، طالما فشل في إقناع المجتمع الدولي وبشكل خاص الروس والأمريكان اللذين يعدان من أكبر الفواعل وأكثرهم تأثيراً في الأزمة السورية، كان المقرر بأنه ذاهب وبيده حجة قوية للقيام باجتياح واحتلال جديد.
كما أن تركيا على أبواب مرحلة انتخابية في ظل العديد من المؤشرات التي تدل على ضعف حظوظ العدالة والتنمية في اكتساب واكتساح الأصوات هذه المرة والبقاء في سدة الحكم، إلى جانب اتهامه للكرد بحيث يزيد من طرف شعبيته إلى جانب أخر يضيق الخناق على حزب الشعوب الديمقراطية، ومنعه من الانخراط في العملية الانتخابية وخاصة بأنه يعمل منذ فترة طويلة بشتى السبل على أغلاق الحزب. هذا ما صرح به علانية رئيس حزب الحركة القومية شريك أردوغان في السلطة، بأنهم سيعملون على طرد الإرهابين من البرلمان التركي في إشارة إلى نواب حزب الشعوب الديمقراطية.
ليس من المستبعد مشاهدة حوادث أخرى مشابهة في المستقبل في ظل وجود تهديد حقيقي على بقاء العدالة والتنمية في سدة الحكم وإعلان حالة الطوارئ لحين تسوية الأوضاع الداخلية بما يخدم استمراريته وديمومته.
اتهامه للمشتبهة على أنها سورية الجنسية تزيد من كراهية الشعب التركي لسوريا من طرف، ومن طرف أخر يعطيه المبرر بالعمل على إجبار السوريين على العودة القسرية وتوطينهم في المناطق السورية المحتلة من قبلهه، والمضيء قدماً في تنفيذ مشروعه في استكمال عمليات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي بحق سكان المنطقة الأصلاء، وخلق حالة عداء أبدية بين مكونات الشعب السوري. خاصة أنه يقوم بتوطين اللاجئين في مناطق أخرى ليست مناطق سكناهم الأصلية.
وبالتالي الحفاظ على حالة التناقضات بين مكونات الشعب السوري بما يضمن استمرارية تدخله في الشأن السوري الداخلي متغذياً على تلك التناقضات واستثماره فيها في المستقبل.
تركيا المعروفة بسياساتها الإلهائية لكسب الوقت من أجل تمرير أجنداتها، وخاصة أنها حققت جزء من تلك السياسة بالتنسيق مع سلطة دمشق بتسليم المنطقة لجبهة النصرة الإرهابية الأكثر تنظيماً وتوحيد الفصائل الخاضعة لسيطرتها التي تعاني من حالة الشرذمة، وبالتالي تشكيل جبهة قوية موحدة منظمة تتمكن من خلالها احتلال مناطق جديدة.
وبالتالي ضرب التفاهم والحوار بينها وبين سلطة دمشق والتنصل من التزاماتها عبر إعلانها لعملية عسكرية جديدة وهي ما ترفضها الأخير، وهذا ما دفع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد على هامش مشاركته في فعالية نظمتها السفارة الجزائرية في دمشق برفض دمشق لأي عملية عسكرية جديدة تزيد من تجذير الأزمة السورية.
كما أنها تأتي في وقت استئناف الحوار والتفاوض بين تركيا وحكومتي فلندا والسويد إلى عضوية الناتو لدفعهما إلى الاستجابة لمطالبها بمحاربة الإدارة الذاتية وسحب الدعم عنها.
إذاً، حكومة العدالة والتنمية حاولت من خلال تلك المسرحية الهزلية تحقيق أهداف متعددة، في مرحلة تاريخية مفصلية تمر بها. لكنها فشلت في الإخراج والسيناريو، وشوهت صورتها أكثر مما هي عليه أمام المجتمع الدولي والتركي، وهي فرصة للسوريين ككل بإعادة النظر في العلاقة مع حكومة العدالة والتنمية حكومة ومعارضة كيف أنها أمام أدنى فرصة تحقق لها بعض من الأجندات والمكاسب تضرب جميع الأعراف والوعود عرض الحائط.
وسردنا لبعض الوقائع في سياقاتها تاريخية يأتي من باب استنباط بعض الدوس والعبر وعدم الانجرار إلى المصيدة التركية وألاعيبها القذرة، فأنها بعقيلتها التوسعية الاحتلالية الغازية تغدر حتى بشخصياتها الوطنية وكل ما من شأنه يحقق الاستقرار والأمن والحالة التشاركية في المنطقة.
فتركيا اليوم التي تعاني من إفلاس سياسي وأزمات عميقة مع داخلها ومحيطها الإقليمي والدولي، وليس مستبعداً من يعيش هذه الدرجة من الإفلاس بأن يُخرج مسرحية بهذه الدرجة من الهزلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: