العقلية الدولتية والتبعية للخارج يسدان بوابة التحول والحلول الديمقراطية

العقلية الدولتية والتبعية للخارج يسدان بوابة التحول والحلول الديمقراطية

الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو

يتزايد المشاكل و الأزمات من كل حدب وصوب على المنطقة ويستمر القضايا العالقة وحالة الفوضى دون أية تسويات شاملة وحلول في المدى القريب، إلى درجة أصبح الخوف والقلق من المستقبل سيد الموقف وخاصة لدى من لا يجيد التنظيم والتحضير والعمل المؤسساتي المتكامل ولا يثق بنفسه وشعبه ومجتمعه ويعتمد على الخارج، مما لاشك فيه أن فقدان المنطقة لذاتها الثقافية والفلسفية ولقدرتها المستقلة في إدارة نفسها ومواردها الاقتصادية وحياتها تعكس أحد الجانب الحقيقة مع أن القضية أعمق بكثير وهي تمتد إلى اليوم الذي تم فيه استعباد المرأة واخراجها من كيانيتها وكينونيتها البانية والرائدة للحياة الحرة والمجتمع الديمقراطي إلى إضعاف المجتمع وذهنيته التشاركية الديمقراطية المجتمعية أمام صعود ذهنية وفكرة الدولة وعقليتها وسياقها الهرمي التسلطي تحت حكم الأفراد والسلالات وثقافات ظل الرب والخالق الواحد أو وكيله أو انعكاسه في البشر عبر القوى السلطوية والملوك والسلاطين الذين و عبر الابعاد والتصورات والاستغلالات الفكرية والروحية إلى جانب وضع اليد على احتياجات الحياة والموارد الاقتصادية حققوا هيمنة ونهب وسيطرة شبه تامة .
ولو نظرنا إلى القرون الأخيرة والتقسيمات المفروضة وفق الاختلاف والثنائيات القومية والدينية الوظيفية المتحاربة إلى جانب الهياكل والأجهزة السلطوتية الدولتية، مضافة لها المنطق العسكري والمقاربة الأمنية البعيدة عن مفهوم الحماية والدفاع الذاتي والتي تعبر عن فرض وإكراه و مصادرة حق المجتمعات والشعوب في حماية أنفسهم كحد أدنى ليتمكن أي مجتمع وشعب من عدم الوقوع في الاستعباد والاستغلال، سنجد أنه تم تهيئة الأرضية الفكرية والفلسفية مع السلوكيات الإجرائية، لتكون المنطقة والشعوب في حالة أداتية بعيدة عن امتلاك القرار والإرادة الحرة.
من أكبر العوائق أمام سياق الحلول المجتمعية الديمقراطية الحقيقة والقادرة على تجاوز الأزمات وتحقيق التحول الديمقراطي هو العقلية الدولتية وسلوكها و التي من أهم مميزاتها:
1- رؤية المجتمع والمخالف والمعارض على أنه عدو ليس أمامه إمام الاستسلام أو الإبادة والتصفية الجسدية والثقافية كما هي أغلب المقاربات السياسية والأمنية في غضون القرنين الأخيرين المتبعة في دول المنطقة والشرق الأوسط.
2- التضخم السلطوي الذي يرى نفسه فوق الجميع و من حقه أن يقرر عن الأخرين ويفرض عليهم إرادته و ما يراه مناسباً لهم دون أخذ أرائهم ، مثلما يقوله أي قوموي أردوغاني فاشي و إخواني أو أي قومي وإسلاموي أوليبرالي، بأن على الكرد أو شعب ما أن يكون بهذا الشكل أو ذاك أو أن عليهم التصرف كذا وكذا من دون أي احترام للذاتية الخاصة والإرادة الحرة للشعب الكردي ولأي مجتمع.
3- عدم الثقة بالمجتمعات والشعوب والاعتماد على الخارج والشعور بالخوف والقلق الدائم من السقوط والمحاسبة بسبب ممارسات الفساد واستغلال موارد المجتمع لأغراض شخصية وفئوية، كحالة السلطة الأردوغانية وحزب العدالة والتنمية والحركة القومية التركية التي تعيش حالة هستيرية كلما اقترب موعد الانتخابات وربما تعمل على أن لا يكون هناك انتخابات إلا وفق رؤيتها وشروطها.
4- التشدق بالاستقلالية واستخدام لغة الخطابات المنافقة والشعارات الرنانة لدغدغة مشاعر البسطاء وعامة الناس، كحال أغلب الحركات القومية بما فيها الكردية والعربية والتركية وكذلك حالة الحركات والتنظيمات الإسلام السياسي.
5- عدم امتلاك أي رؤية تشاركية ديمقراطية أو تفاعل اجتماعي متين قادر على فهم ومواجهة التحديات الكثيرة الظاهرة.
6- عدم الإيمان والابتعاد عن الديمقراطية المباشرة المجتمعية الحقيقة والتركيز فقط على الديمقراطية التمثيلية التي تخدم في معظمها لقوى السلطة والدولة وللدكتاتوريات المستبدة وليس المجتمعات والشعوب.
7- التركيز على الجانب الاقتصادي في أي مقاربة ونقاش بشكل أكبر وهام لدرجة لا يصلها اي جانب أخر والتقصد في عدم إبراز الجانب الاجتماعي والفكري والذهني والثقافي مع أن الجانب الذهني والفكري والثقافي هو الذي يشكل ويكون كيفية وطريقة التعامل والأداء والتفاعل الاقتصادي والسياسي.
8- الاقصاء والتهميش للعديد من القوى الاجتماعية القادرة على العطاء والبناء والتقليل من قيمها وأهميتها وأدوارها وعلى رأسهم قوى المرأة والشباب وغيرهم .
9- اخفاء حقيقتها الانهزامية والتابعية والاعتماد على الخارج عبر تشدقات استقلالية فارغة و لبوسات قومية أو دينية واستغلال الدين والبعد القوموي الضيق المضلل والمخادع والتابع في النهاية.

وما لا يخفي أن التدخلات الإقليمية والخارجية والمشاريع الاستعمارية التابعة لهم كالتدخلات التركية والإيرانية وغيرهم ومشاريعهم العثمانية الجديدة والصفوية الكيروسية، تهدد وبشكل مباشر منظومة الأمن القومي للمنطقة وشعوبها كالشعب العربي والكردي، بما فيها التهديد بشكل مباشر على القيم الداخلية الذاتية المجتمعية والتعايش المشترك وكذلك على إمكانيات وقدرات المجتمعات والشعوب على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية، إضافة إلى أهداف هذه المشاريع في تغير الهوية وطمس المعالم الذاتية الحضارية للجغرافيات والشعوب المستهدفة والتغيير الديموغرافي، علاوة على فرض لغة معينة و أيدولوجيات وعقائد وثقافات وتهديد لوحدة المنطقة وتكامل شعوبها عبر بث الفتن والفرقة والعمل على خلق ثغرات وحالات حروب داخلية بين شعوب ومجتمعات المنطقة لإضعاف التماسك الداخلي المجتمعي وخلق مسافات بين أهل المنطقة.

ولأجل بناء أرضية للتحول الديمقراطي في دول المنطقة القومية المفروضة قسراً على شعوب ومجتمعات المنطقة و لبناء الديمقراطية كنظام للحياة والإدارة والتعايش المشترك والانتاج لابد من :
1- أن تكون للمجتمعات والشعوب والتكوينات الاجتماعية مساحتها الخاصة المصانة في التعبير والحرية والنشاط السياسي والاقتصادي وفق خط السياسة الديمقراطية والتفعيل السياسي لكافة الجهود المجتمعية والشعبية وعلى رأسهم المرأة والشباب أصحاب التغير ورواده الحقيقيين.
2- أن تكون للمجتمعات والشعوب حقها في الدفاع الذاتي وحماية نفسها رغم وجود الدولة وأجهزتها وجيشها، لأن أي مجتمع أو شعب يسلم حمايته لغيره يكون أمام التصفية والانتهاء لا محالة، عدا عن فقدانه الحرية وتعرضه للعبودية والاستغلال، مهما كان الأخر فالعلاقة منذ التاريخ ومع نشوء الدولة كانت جدلية وتنافسية بين المجتمع والدولة ودائما كانت الدولة تضيق ساحة المجتمع وتفاعلاته.
3- حق المجتمعات والشعوب في تربية أبنائها وبناتها وتدريبهم وتعليمهم وفق حقيقتهم التاريخية والمجتمعية ولغتهم وقيمهم وليس وفق مصالح الدول واحتياجات أجهزتها ومؤسساتها الفوقية السلطوية الدولتية وأمتها الدولتية النمطية المتجانسة .
4- الاعتراف ضمن الدساتير في الدول الموجودة بحق الإدارة الذاتية للمجتمعات والشعوب والتكوينات الاجتماعية المختلفة كأدنى توافق وحل ديمقراطي مقبول وبذلك تحويل دساتير الدول القومية من حفظ مصالح الطبقات والفئات السلطوية والدولتية الحاكمة إلى عقد اجتماعي دستوري يصون ويحافظ على كرامة الإنسان وحريته وحقوقه ضمن مجتمعه وخصوصيته المصانة دستورياً وذاتياً.

كما أن من أهم بنود التحول الديمقراطي هو الترافق والتلازم الذهني والسلوكي للأداء الديمقراطي التشاركي والمجتمعي أي البناء الجوهري والمؤسساتي معاً للسياق ولمسار التحول الديمقراطي في أية بقعة جغرافية أو أي بلد ودولة. ومن المفيد الإشارة إلى أنه كما أن قضية الأمن القومي قضية شاملة وليست موضعية أو جزئية لمنطقة دون الأخرى، فكذلك هي الحلول الديمقراطية ومسار التحول الديمقراطي، فلا يمكن أن نبني وننجز التحول الديمقراطي وفي جنباته أو جواره إجراءات التطهير العرقي والإبادة الجماعية أو التطهير الثقافي لأية خصوصية أو ثقافة مختلفة موجودة أصلاً، وكذلك لا يمكن القول عن الهدن المؤقتة هي حالات سلام وكما أن البناء الديمقراطي والسلام الحقيقي يتطلب أن يكون المجتمع والدولة لهما نفس الاعتبار على الأقل وأن لا يسعى أي طرف في الطلب من الأخر في التنازل عن قوته أو حقوقه كما تطلبه الدول عادة، بل يجب البحث عن ساحات العمل المشتركة وضمان حق المجتمعات والشعوب في ممارسة حقوقهم وبناء مؤسساتهم الديمقراطية التي تنظم الناس وتدربهم وتعمل على توعيتهم وصقل مهاراته الفكرية وخبراتهم التنظيمية للعمل السياسي والنضال الديمقراطي والبناء المجتمعي.

وفي تركيا وإيران والدول العربية وغيرهم، لا يمكننا أن نتكلم ونبحث عن أية حلول لأية مشكلة أو قضية وطنية أو أي عمل جاد وموفق، كحل القضية الكردية و القضية الديمقراطية والحريات العامة والعمل السياسي والاقتصادي الذاتي، دون أن يتم تجاوز العقلية الدولتية السلطوتية والذهنية الأحادية وسلوكيات الإبادة ، البعيدة عن المجتمعات والشعوب و التي تعبرعن تجسيد لحالة الأزمة وجوهرها وعقدتها، وكذلك لا يمكننا أن ننجز أية حلول ديمقراطية من دون التخلص من الاعتماد على الخارج و القيود الخارجية والتبعية وعدم الثقة والتواطؤ والخدمة لصالحهم، فغالبية السلطات أو جميعها ومع التيارات السياسية والنخب الثقافية والتي تسببت في الأزمة والتي مازالت تعيشها أو التي لا تستطيع إيجاد الحلول أو ليس لديها برامج وطنية وأراء ديمقراطية وقراءات وطنية ومجتمعية هي فاقدة للمقاربة الوطنية الديمقراطية وللإرادة الحرة واستقلالية القرار الوطني ، وستكون في خبر كان مع التحولات الكبيرة في الإقليم والمنطقة والعالم مع تحديات الظاهرة للنظام العالمي المهيمن الرأسمالي وعمل النظام المهيمن على إعادة هيكلة العلاقات والمعادلات الإقليمية والعالمية لخدمة استمرار الهيمنة والنهب. و من المفيد الإشارة إن المقاربات الصفرية تجاه الأخر أين كان الأخر المخالف لا تجدي نفعاً، بل تساهم في الأزمة واستمرارها ومن يصر على ذلك، فهو تعبير عن عدم القدرة على التعايش وإنجاز المراد في الظروف الصعبة وهو إنما يجسد حالة فراغ فكري وفلسفي وقلة ثقة في النفس وأهدافه المبالغة فيها وهو في النهاية لا يخرج عن دائرة خدمة الخارج الاستعماري ومشاريعهم التقسيمية ولن يكون قادر على الاستمرار وستكون نهايتة السقوط المحتوم كما هي السلطة والدولة التركية وكذلك أغلب السلطات في دول المنطقة، لأن من لا يستطيع قراءة المعطيات الموجودة الجديدة ولا يقوم بالتجديد الفكري والبناء المؤسساتي وفق ذلك لن يكون قادر على مجاراة العصر وسيتجاوزه الزمن ولن يكون لديه القدرة والامكانيات لمواجهة التحديات وإيجاد الحلول وحل القضايا العالقة والظاهرة الجديدة. وعليه يمكن القول أنه بالتحول الديمقراطي والمسار الديمقراطي المعتمد على السياسة الديمقراطية والدفاع الذاتي والمجتمع الديمقراطي والمرأة الحرة والثورة البيئية وحدها وليس الاعتماد على الخارج والتبعية له، نستطيع بناء المستقبل وتعزيز الحضور الفعال لكافة القوى الديمقراطية والوطنية والمجتمعية وتستطيع دول المنطقة ومجتمعاتها وشعوبها على مواجهة المشاريع الاستعمارية والتدخلات الخارجية ومواجهة كافة أنواع التحديات بعد حل مشاكلها الداخلية وتمتين جبهتها الداخلية وفق الأسس والحلول الديمقراطية أما الانعزال والتقوقع على الذات وكذلك التبعية المطلقة للخارج والاعتماد عليه، فلن يجلب سوى مزيد من الأزمات والدمار والفوضى وخدمة الخارج ومصالحه في الهيمنة ونهب مقدراتنا وقيمنا وتغير معالمنا وهويتنا ودمار مجتمعاتنا ومنظوماتنا الأخلاقية والمجتمعية التي تجسد ذاتنا وخصوصيتنا التي نفتخر ونعتز بها مع الاحترام والاعتراف بكل الخصوصيات والثقافات والتكوينات الأخرى مهما كانت صغيرة أو كبيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: