الكاتب والباحث السياسي الكردي السوري: أحمد شيخو
يتناول الكثير من المراقبين والكتاب والباحثين السياسيين والمختصين بالشأن التركي والإقليمي، الأزمة الاقتصادية في تركيا من حيث اسبابها وتداعياتها ومستقبل السلطة التركية بناء على تأثر الناخبين والشعب التركي بذلك و دور العلاقات التركية الخارجية وسياساتها الداخلية والخارجية المرتبطة بذلك. لكن هل يقتربون من ماهية الأزمة وأسبابها أو سببها الرئيسي وكيفية حلها؟
لاشك أن لكل أزمة أبعادها المختلفة من السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها لكن القاسم المشترك أن النظام السائد والذي يعيش الأزمة في هذه الحالات لن يكون قادراً على الاستمرار من دون تغيير جذري في الذهنية والسلوك وبالنتيجة في المقاربة الكلية لكل الأمور.
وفي الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا دولة ً وسلطة ً وشعباً لابد من معرفة الترابط الوثيق بين السلطة والنظام الحاكم وسياساته واستراتيجياته التي مارسها في غضون 18 سنة من حكمه، وبل الترابط بين نشوء وتأسيس تركيا وأنظمتها والأزمات الاقتصادية التي لاتنتهي في تركيا والتي تستعملها حتى القوى المركزية في النظام العالمي لتغيير السلطات والحكومات في تركيا.
إن الدولة التركية والسلطة الحالية (AKP_MHP) وبسبب كونها معادية للشعوب وللإنسانية لأنها تمثل وتجسد دولة قومية في حالة وظيفية وأداتية لنظام الهيمنة العالمية ونهبها واحتياجاتها في المراحل المختلفة، فهي تعادي المجتمعات أيضاً. ومن المؤكد أن الدولة التركية تعمل على حرمان الشعب الكردي من وسائل العيش لأنها تريد أنهائه والقضاء عليه. ومعظم سياسات تركيا في كردستان وأجزائها الأربعة وليس فقط باكور كردستان (جنوب شرق تركيا) هي كيفية منع الكرد من العيش و بالتالي تقول للكرد عليكم إما بقبول الذل وبالخضوع لي أو سأنهيكم وأقتلكم جسدياً وأبيدكم. لأن الدولة التركية القومية وبالأساس قامت على خيانة الدولة التركية وسلطاتها ومنذ 1925 للكرد وللتحالف التاريخي الذي كانت بين الكرد والترك منذ قدوم اسلاف الترك منذ القرن الثامن والحادي عشر إلى كردستان وفتح الأناضول في معركة ملاذكرد 1071م وحتى حرب الاستقلال 1919_1922م. حيث كان الاتفاق وفي حرب الاستقلال أن تكون دولة للشعبين وتشمل أراضي الكرد والترك حسب الميثاق الملي بين مصطفى كمال والعشائر الكردية لكن الجانب التركي وتحت تأثير النفوذ اليهودي والهيمنة العالمية تخلوا عن الأخوة والتقاليد الديمقراطية والتاريخ المشترك واصبحوا دولة قومية نمطية ووظيفية وحالة أداتية لنظام الهيمنة العالمية ومصالحها وهيمنتها على المنطقة. وحتى أن الدولة والسلطات التركية ربطت دولتها ووجودها وبقائهم بالقضاء على الشعب الكردي وتتريكهم .
إن المفاهيم التركية و سياستها وحربها ضد الكرد هي سبب إبادة البيئة وبناء السدود وحرق الغابات والأشجار وتخريب القرى وتهديمها ونشر المخدرات والرزيلة، بمعنى أنها ومن أجل تسميم حياة الكرد وإضعافهم واخضاعهم تفعل كل شيء . ومن المعلوم أن الطبيعة هي سبب حياة الإنسان وعند القيام بتخريب الطبيعة تنعدم اسباب الحياة.
في تركيا عندما تنحرق مكان ما أو غابة في المناطق غير الكردية، تقوم الدولة بوضع كل إمكاناتها لأجل أطفاء الحرائق، أما في عندما يكون الحرق في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) وحتى في مناطق احتلالها في شمالي سوريا وشمالي العراق، فالدولة تكون هي التي تحرق الأشجار بنفسها و عندما الحريق لا تفعل شيء وبل تمنع الناس والمواطنين من إطفائها. ومن أجل هذا فإن مسألة البيئة هي مسألة مهمة وهي تعني الحياة والموت. ومن أجل هذا على الشعب الكردي والشعوب الأخرى وحتى الشعب التركي في تركيا مواجهة هذه السلوك التركي فهو لا يهدد الكرد وحياتهم وحدهم بل كل تركيا والمنطقة لأن أي تغيير في الطبيعة وبالتالي في المناخ في أي منطقة أو دولة تؤثر على المناطق والدول الأخرى والعالم وعلى نسبة الهواء النقي ونسب التلوث وازدياد الحرارة.
وعندما قال البعض في تركيا أن الأزمة الاقتصادية، أصبحت حادة وأنهم يعانون بشدة من تداعياتها على حياتهم أمام أردوغان، قال لهم أردوغان” أتعرفون ثمن الطلقة” وذلك قال بكل وضوح أنهم يحاربون وعلى الشعب عدم الطلب من أردوغان وسلطته فهم في حالة حرب. هذه السلطة الظالمة والفاشية ولأجل استمرار وجودها في الحكم تأخذ حق الحياة من الناس وتستغل كل الإمكانات وتمنعها عن الشعب وتصرفها في ميزانيات الحرب . ويعتبر أردوغان حرب الكرد وإبادتهم أساس له ولسياساته لذلك فهو يستعمل ويستخدم كل الإمكانات من أجل هذه الحرب. ليس في تركيا بل كل أماكن تواجد الكرد في المنطقة والعالم. وكما السياسات الخارجية لأردوغان وحزبه وسلطته هي امتداد لسياساتها الداخلية ولأجلها فهو يحارب في خارج تركيا لأجل امتلاك اوراق وتعبئة الجمهور التركي فهو ليستخدم تدخله الخارجي كأوراق ضغط على القوى المركزية العالمية لعدم مسائلتهم له عن حقوق الإنسان والديمقراطية في تركيا وحربه ضد الكرد وبهذه التدخلات الخارجية يحرض المجتمع ويعبئه فاشياً ضد الكرد والمعارضة ولأجل وجدوده في الحكم فهو المغوار والسلطان والقادر على ارجاع أمجاد العثمانيين والطورانيين السابقين .
الكثيرون من الشعب التركي والمراقبون يسألون ويكتبون عن أهم الأزمات في تركيا ويقولون أنها الأزمة الاقتصادية ويقلبون الحقائق ولايدركون أسسها وماهيتها، صحيح أن الأزمة الكبيرة في تركيا هي الأزمة الاقتصادية لكن ما سببها ومنبتها، بالتأكيد سببها هي الحرب التي تمارسها تركيا حيث تستخدم الدولة كل إمكانيات الشعب لأجل الحرب ضد الشعب في تركيا. الذين لايرون هذه الحقيقة يقولون أن هناك أزمة اقتصادية وينتقدون أردوغان وبعض من سلوكياته وعلاقاته، لكنهم لايقولون كيف اصبحت هذه الأزمة ومن أين أتت وما هي اساسها وكيف يكون الحل وتجاوزها.
هنا على الجميع أن يعرف أن سبب الأزمة الاقتصادية في تركيا هي حرب الدولة التركية ضد الشعب الكردي. وكل الذين ضد هذه الحرب ومهما ناقشوا الأزمة وحللوها وانتقدوا أردوغان وعارضوا فلن يحصلوا على أي نتيجة أو حل إذا لم يقتربوا من السبب الحقيقي لهذه الأزمة الاقتصادية المستفحلة.
وعندما يقف الجميع ضد الحرب على الشعب الكردي عندها ستحل الأزمة الاقتصادية و يكون هناك حلول وعدم تكرار لها، لكن غير ذلك لا يفيد بشيء ولا تحل أية أزمة وبل ستستمر الأزمة وتكون في حالة تكرار دائم.
تحاول تركيا إبادة الكرد وإنهائهم من الوجود والقضاء عليهم وهذا واضح وبشكل كبير، وإذا تم ذلك لن يبقى شي إسمه تركيا وسوريا والعراق وإيران وحتى المنطقة برمتها لأن المنطقة بالأساس مكونة من شعوبها ومجتمعاتها ودولها والقضاء وإنهاء أي شعب اصيل فيها سيفتح الباب لإبادات أخرى وإنهاء شعوب ودول أخرى وإن كان الحرب اليوم على الكرد فستكون غداً على الشعوب الأخرى ونهبها وإنهائهم أيضاً كما كانت على الأرمن والسريان الأشورين والعرب في نهايات العثمانية، حيث الفاشية والسلطوية والنهب ليس لها حدود أو مستوى إذا تحكم وتسلط وهيمن وهذا سيجلب معه العديد من الأزمات وعلة مختلف المستويات، وبالتالي الأزمة الاقتصادية التركية ليست فقط موضوع قيمة الليرة بل أنها قيمة الدولة وقيمة السلطة التي أصبحت لاتعاد لشي مقابل أي دولة أو عملة أو إدارة أخرى.
ويمكننا الإشارة إلى أن التناقضات التي تحاول تركيا في الاستفادة منها بين روسيا وأمريكا وحتى بين أوربا وروسيا والصين وأمريكا أغلبها تدور حول معرفة الدول هذه بنقطة الضعف لدى الدولة التركية فهم يسمحون لتركيا في حربها ضد الشعب الكردي وأبادتهم مقابل ما يطلبونه من تركيا وسلطاتها. وبالتالي أن هذه الدول وبمقارباتها وصمتها على السلوك التركي في إبادة الكرد وحربهم ، فهو أيضاً وكونهم يعطون كل أدوات ووسائل الإبادة والحرب و يتحملون بذلك المسؤولية عن الممارسات التركية الإجرامية كما هي في الأشهر السبعة الأخيرة من استعمال الأسلحة الكيميائية ضد الشعب الكردي وحركة حريته. وبالتالي فهم عن أزمة تركيا الاقتصادية ومعاناة شعبها بل عن حالة اللااستقرار وعدم الأمان الناتجة عن تدخل تركيا في المنطقة ودولها وشعوبها وشؤونهم الداخلية عبر وسائلها وأدواتها المختلفة من الاحتلال المباشر إلى الوكلاء الإرهابيين والمتواطئين المختلفين.
ومن الصحيح القول أن التخلص من الأزمة الاقتصادية التركية ومن احتلالاتها وتدخلها في المنطقة وتهديدها للبيئة والحياة ودعمها للإرهاب، وتهديدها للأمن والاستقرار، يمر من حل القضية الكردية وتحقيق الديمقراطية في تركيا والمنطقة . فالمجتمع والشعب والمنطقة والدولة الديمقراطية لن تكون لديها الاسباب أو السياسة أو أية رغبة إلى الحرب والشدة والقتل والاحتلال، بل ستحل القضايا والمشاكل بالطرق السلمية والسياسية ولن يستطيع أحد من أستعمال الاقتصاد كأداة ضغط عليها وضعف لها وبالتالي لن تعاني من الأزمات ومنها الاقتصادية.