هجوم قرب البيت الأبيض… القنبلة الصامتة التي هزّت واشنطن وفتحت أسئلة أخطر من الحادث نفسه

هجوم قرب البيت الأبيض… القنبلة الصامتة التي هزّت واشنطن وفتحت أسئلة أخطر من الحادث نفسه

رندة نبيل رفعت

في الساعات التي أعقبت الهجوم المسلّح على عنصرين من الحرس الوطني قرب البيت الأبيض، بدت واشنطن وكأنها تواجه صدمة مزدوجة: صدمة الحدث ذاته، وصدمة ما يمكن أن ينكشف بعده.

فقد سارعت الأجهزة الفيدرالية إلى إعلان القبض على مشتبه به أفغاني يُدعى رحمن الله لكنوال، وهو شاب دخل الولايات المتحدة عام 2021 ضمن برامج الإجلاء الطارئة عقب سقوط كابول، قبل أن يحصل لاحقاً على وضع قانوني مستقر. لكن ما بدا كخبر أمني عاجل تحوّل سريعاً إلى قضية سياسية وأمنية تتجاوز حدود لحظة الهجوم، وتضع الإدارة الأمريكية أمام أسئلة محرجة حول أمن الداخل، وسياسات الهجرة، والمراجعات الاستخباراتية.

المعلومات الأولية تؤكد أن الهجوم وقع بشكل «مباغت» على دورية قريبة من محيط البيت الأبيض، ما دفع الأجهزة الفيدرالية إلى التعامل معه كعمل إرهابي محتمل، مع فتح كل خطوط التحقيق لفحص الدوافع الشخصية أو الأيديولوجية أو النفسية. ورغم غياب إعلان مسؤولية من أي جهة، فإن سرعة التحرك الأمني تعكس حساسية المنطقة التي وقع فيها الحادث، في قلب العاصمة السياسية للولايات المتحدة.

تبدأ الحساسية الأكبر من خلفية المشتبه به نفسه. فوفق تقارير أمريكية، يتم التحقيق فيما إذا كان الشاب قد ارتبط سابقاً بوحدات أفغانية تعاونت مع واشنطن خلال الحرب، وهو ما يجعل القضية معقّدة من زاويتين: الأولى أنّ أي صلة من هذا النوع قد تقع ضمن ملفات سرية يصعب الإفصاح عنها علناً، والثانية أنّ اكتشاف ثغرات في منظومة الفحص الأمني لبرامج الإجلاء قد يتحوّل إلى أزمة سياسية كبرى داخل الولايات المتحدة، خاصة في ظل الاستقطاب الحاد حول ملف الهجرة.

وفي موازاة التحقيقات، تبدو التداعيات السياسية أكثر وضوحاً من الحقائق الأمنية. فقد سارعت جهات سياسية داخل الكونغرس إلى المطالبة بتجميد أو إعادة تدقيق ملفات الأفغان الذين دخلوا خلال 2021، بينما تروّج تيارات أخرى لرواية مفادها أن التشدد العشوائي سيؤدي إلى استهداف جاليات كاملة، وخلق توترات جديدة في الداخل الأمريكي. وبين هذين التيارين، تسعى الإدارة إلى الموازنة بين الحفاظ على الشفافية وعدم الكشف عن أي معطيات قد تمس الأمن القومي أو تفتح الباب لتسريبات محرجة.

المحللون السياسيون والعسكريون في الولايات المتحدة وخارجها يرون أن ما حدث قد يكون «الإنذار الأخطر» منذ سنوات، ليس لأن الهجوم كان كبيراً، بل لأن رمزيته عالية، ولأن مرتكبه —إن ثبتت الاتهامات— ينتمي إلى فئة اعتبرتها واشنطن «شريكة» خلال الحرب، ما يثير أسئلة عن قدرة أجهزة الفحص الأمني على توقع التحولات السلوكية أو الأيديولوجية، خاصة في ظل اضطرابات نفسية واجتماعية قد ترافق موجات النزوح من مناطق الصراع.

ويحذّر خبراء من أن الكشف الكامل عن خلفيات الحادث قد لا يتم سريعاً، وربما يُحجب جزء منه لأسباب أمنية أو سياسية، خصوصاً إذا كانت هناك خيوط تمس تعاوناً استخباراتياً سابقاً أو تقدّم دليلاً على خلل بنيوي في برامج الهجرة. وبينما تتواصل التحقيقات، تتهيأ واشنطن لوضع أكثر توتراً: تشديدات أمنية حول المنشآت الفيدرالية، ضغوط تشريعية جديدة، وانقسام داخلي مرشح للتصاعد خلال الأشهر المقبلة.

في خلفية المشهد، يلوّح المحللون بما هو أخطر من الحادث ذاته: أنّ الولايات المتحدة قد تدخل مرحلة جديدة يعاد فيها تعريف العلاقة بين الأمن والهجرة، وبين الداخل والسياسة الخارجية، وأن هجوم قرب البيت الأبيض —مهما بدا محدوداً في حجمه— قد يتحوّل إلى نقطة تحوّل استراتيجية في صياغة السياسات الأمريكية، وفي صورة البلاد أمام العالم، وفي مستقبل ملف الهجرة الذي يشكل أحد أكثر ملفات واشنطن اشتعالاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: