رندة نبيل رفعت
في مشهد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، ويؤسس لمرحلة غير مسبوقة في مسار السلام العالمي، استضافت مدينة شرم الشيخ في الثالث عشر من أكتوبر 2025 واحدة من أهم القمم السياسية في القرن الحادي والعشرين، برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من ثلاثين دولة، لبحث آليات إنهاء الحرب في غزة، وتوقيع وثيقة شاملة للسلام بين إسرائيل وحماس، بعد وساطة مشتركة بين مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا.
تُعد قمة شرم الشيخ تتويجاً لجهود دبلوماسية وأمنية وإنسانية امتدت لأشهر، قادتها القاهرة بحكمة واتزان، لترسيخ مبدأ أن “السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالإرادة”، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي في كلمته حين وصف الاتفاق بأنه “بداية عهد جديد للشرق الأوسط، يستعيد فيه الإنسان العربي حقه في الحياة والأمل”.
الوثيقة التي وُقعت بحضور قادة الدول الوسيطة جاءت كخريطة طريق واقعية ومتكاملة لوقف إطلاق النار، وإنهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة، وبدء مرحلة جديدة من إعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، وتثبيت الأمن، تمهيداً لمسار سياسي يقود إلى حل الدولتين، وفق المرجعيات الدولية وحدود الرابع من يونيو 1967.
المحللون العسكريون وصفوا القمة بأنها “انتصار للدبلوماسية على منطق الحرب”، إذ أشار الفريق المتقاعد ديفيد بيترسون، الخبير الأمريكي في الأمن الدولي، إلى أن مصر استطاعت عبر مفاوضات معقدة ومتعددة الأطراف أن تفرض منطق الدولة العاقلة في مواجهة دوامة العنف، مضيفاً أن “نجاح القاهرة في جمع ترامب وأردوغان وتميم حول طاولة واحدة يعكس ما تمتلكه من ثقل استراتيجي نادر في المنطقة”.
من جانبه، قال اللواء صلاح الدين المري، الخبير العسكري المصري، إن هذه القمة أعادت للعالم مفهوم “القوة الهادئة” التي تمارسها مصر منذ عقود، موضحاً أن التنسيق بين المؤسسات العسكرية والاستخباراتية المصرية والأمريكية والتركية والقطرية أسفر عن اتفاق هو الأول من نوعه في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من حيث شموليته وآلياته التنفيذية.
أما الباحث الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط جان كلود رينيه، فأكد أن أوروبا تنظر إلى قمة شرم الشيخ باعتبارها بوابة لإعادة التوازن بين القارات الثلاث: آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، وأن الدور المصري في هذا التحول لم يعد دور الوسيط، بل “دور الضامن لمستقبل الاستقرار في البحر المتوسط والشرق الأوسط”.
التحليل السياسي للقمة يكشف أن واشنطن، بقيادة الرئيس ترامب، أرادت من خلال الاتفاق أن تقدم نموذجاً جديداً لدبلوماسية القوة المرنة، حيث يُستخدم النفوذ العسكري والسياسي لدعم التسوية وليس لتأجيج الصراعات. ووفق الخبير الأمريكي ريتشارد هاريسون، فإن قمة شرم الشيخ “نقطة تحول في العقيدة الأمريكية تجاه المنطقة”، مشيراً إلى أن التنسيق الثلاثي بين مصر وقطر وتركيا برعاية أمريكية يمثل “صيغة توازن جديدة بين الشرق والغرب”.
من جانب آخر، يرى المحلل الخليجي د. ناصر الكعبي أن مشاركة قادة الخليج في القمة – وعلى رأسهم قطر والسعودية والإمارات والكويت – حملت رسالة واضحة بأن الأمن العربي بات ملفاً مشتركاً، وأن الدول العربية قررت أن تتحدث بصوت واحد، بعد سنوات من الانقسام والضبابية السياسية. وأضاف أن القمة أعادت روح “العمل العربي المشترك” التي كادت أن تتلاشى في ظل صراعات إقليمية متشابكة.
في السياق ذاته، شدد الخبير التركي إبراهيم دمير على أن “اتفاق شرم الشيخ” فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية – المصرية، مشيراً إلى أن التنسيق الاستخباراتي بين البلدين خلال الأشهر الماضية كان عاملاً حاسماً في التوصل إلى التفاهمات الأمنية التي ضمنت وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين.
أما من وجهة النظر الإنسانية، فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة خلال القمة أن الدور المصري “أنقذ أرواح مئات الآلاف من المدنيين في غزة”، مشيراً إلى أن مصر منذ اليوم الأول للأزمة كانت “صوت الإنسانية والعقل”.
وفي قراءة أعمق، يرى المراقبون أن قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد حدث سياسي أو تفاوضي، بل كانت إعلاناً عن ميلاد نظام إقليمي جديد قوامه الشراكة لا الصراع، والاحترام المتبادل لا الهيمنة. واعتبر بعضهم أن المدينة التي احتضنت أولى اتفاقات السلام في المنطقة قبل نصف قرن، تعيد اليوم كتابة التاريخ من جديد، في لحظة يتقاطع فيها الأمل مع الواقعية السياسية.
في النهاية، يُجمع الخبراء على أن ما حدث في شرم الشيخ هو أكثر من مجرد اتفاق، بل هو بداية مشروع حضاري لإعادة بناء الشرق الأوسط على أسس العدالة والتنمية والعيش المشترك. فكما قال الرئيس السيسي في ختام القمة: “من شرم الشيخ بدأ السلام يوماً، ومن شرم الشيخ اليوم يولد الأمل من جديد.”
#قمة_شرم_الشيخ_للسلام #اتفاق_غزة #ميلاد_شرق_أوسط_جديد