إعداد: رندة نبيل رفعت
في تحرك دبلوماسي هو الأبرز منذ عقود بين البلدين، استقبل وزير الخارجية المصري، السفير بدر عبد العاطي، اليوم، نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في لقاء سياسي بالغ الدقة، يعكس رغبة متبادلة في كسر الجمود التاريخي وفتح صفحة جديدة بين القاهرة وطهران.
الاجتماع، الذي جاء على هامش التفاعلات الإقليمية المتسارعة، ناقش ملفات ثنائية وإقليمية شائكة، من بينها مستقبل العلاقات المصرية-الإيرانية، والأوضاع في غزة، وسوريا، واليمن، ومسارات التهدئة في الخليج، إضافة إلى الدور الإيراني في الإقليم وتأثيراته على الأمن العربي.
من الترقب إلى “إدارة الاختلافات”
مصادر دبلوماسية مطلعة كشفت أن اللقاء حمل رسائل متبادلة واضحة وصريحة، بعيدًا عن الخطابات الرمزية أو المجاملات الدبلوماسية، حيث أكدت القاهرة على ثوابت سياستها الخارجية القائمة على احترام السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول العربية، وضرورة إعادة صياغة الدور الإيراني في ضوء المتغيرات الإقليمية الحالية.
من جهته، أبدى الوزير الإيراني استعداد بلاده لإعادة بناء الثقة مع الدول العربية، وخصوصًا مصر، مؤكدًا أن “القاهرة دولة محورية لا يمكن تجاهل دورها في أي معادلة إقليمية”.
اللقاء، بحسب المصادر، اتسم بـ”الواقعية السياسية”، حيث جرى التوافق على استمرار الاتصالات المباشرة، دون الحاجة إلى وسطاء، مع استكشاف خطوات تدريجية نحو إعادة تطبيع العلاقات على أسس جديدة.
سياق إقليمي يعيد تشكيل التحالفات
يأتي هذا اللقاء في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، تشهد فيها المنطقة تحولات جيواستراتيجية كبرى، أبرزها:
استعادة العلاقات بين طهران والرياض بوساطة صينية
محاولات كسر العزلة الإقليمية عن سوريا
تصاعد التوتر في البحر الأحمر وباب المندب
انخراط القاهرة في جهود عربية وإفريقية لتثبيت الاستقرار في السودان وغزة
ومع صعود لغة “تصفير الأزمات” في السياسات الإقليمية، يبدو أن مصر وإيران تدركان أنه لا يمكن بناء توازن إقليمي حقيقي دون حوار مباشر، مهما بلغت حدة الخلافات.
ما وراء اللقاء؟
1. الملف الفلسطيني: مصر، التي تقود الوساطة في غزة، أكدت على أهمية وقف أي دعم خارجي يُطيل أمد الصراع، في إشارة واضحة إلى العلاقة الإيرانية بفصائل المقاومة.
2. أمن الخليج: القاهرة جدّدت دعمها لأمن الخليج كجزء من الأمن القومي العربي، وضرورة خفض التصعيد بين إيران ودول الخليج.
3. العلاقات الثنائية: بحث الجانبان آفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، وسط رغبة مشتركة في “إدارة الخلافات” بدلًا من تضخيمها.
دبلوماسية التوازن المصري
يعكس اللقاء توجه السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تتبنى “دبلوماسية التوازن والانفتاح المشروط”، حيث لا تستبعد أي طرف، لكنها تضع المصالح العربية في قلب معادلاتها.
كما يعكس الانفتاح الإيراني الأخير إدراكًا متزايدًا بأن النفوذ السياسي لا يُبنى فقط بالصواريخ والميليشيات، بل بالانفتاح الدبلوماسي أيضًا، خاصة بعد أن تحولت مصر إلى مركز ثقل إقليمي في ملفات تتعلق بأمن البحر الأحمر وأمن الطاقة والاستقرار في الجوار العربي.