رندة نبيل رفعت
في مشهد سياسي نابض بالرمزية والدلالة، اختتمت فنزويلا “أسبوع أفريقيا العالمي العشرين” باحتفالات ثقافية واسعة، متزامنة مع الإعلان عن فوز القيادة البوليفارية في الانتخابات الأخيرة.
التوقيت لم يكن مجرد مصادفة، بل تعبيرٌ مقصود عن تقاطع مشروع سياسي داخلي مع رؤية استراتيجية خارجية، تجعل من الجنوب العالمي — وتحديدًا أفريقيا — شريكًا أساسيًا في معادلة فنزويلا الجديدة.
وقال وزير الخارجية الفنزويلي إيفان خيل في كلمته خلال ختام الفعاليات: “أفريقيا هي الحليف الأمثل والأكثر موثوقية لأمريكا الجنوبية، وفنزويلا بصفتها دولة كاريبية تُعد بوابة هذه القارة إلى أفريقيا… هذا هو الاتجاه الذي نسعى إلى تعزيزه.
“الرسالة كانت واضحة: التحول من علاقات مرهونة بالشمال إلى شبكة تحالفات بديلة ترتكز على الروابط الثقافية والتاريخية، ولكن أيضًا على حسابات جيوسياسية واقتصادية.
قراءة في الضفة الأخرى في عواصم أفريقية مثل أبوجا، بريتوريا وداكار، عبّر عدد من المحللين عن دعمهم للتجربة الفنزويلية، واعتبروا أن الانتصار الانتخابي يعكس “إرادة شعبية قوية في مواجهة الضغوط الخارجية”.
وقال الدكتور ماكيتا نداو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شيف أنتا ديوب في السنغال:”فنزويلا تمثّل لنا نموذجًا ملهمًا في مقاومة الهيمنة الاقتصادية.
فوز القيادة البوليفارية هو امتداد طبيعي لصراع من أجل السيادة، تتشاركه شعوب الجنوب من مالي إلى نيكاراغوا.
“أما الباحث الجنوب أفريقي نيلسون مبيكي، من مركز البحوث السياسية في بريتوريا، فقد رأى أن التوقيت الذي اختارته فنزويلا للاحتفال بأفريقيا “ذكي واستراتيجي”، موضحًا: “إنهم يقولون للعالم: نحن لسنا وحدنا.
هناك ذاكرة مشتركة بين شعوب الجنوب يمكن أن تتحول إلى قوة دبلوماسية واقتصادية فاعلة.
فنزويلا تفتح أبواب الجنوب… والغرب يراقب بصمت في الجهة المقابلة، لا تزال الولايات المتحدة تتعامل مع المشهد الفنزويلي بحذر.
ورغم عدم صدور موقف رسمي حتى اللحظة من وزارة الخارجية الأمريكية بشأن نتائج الانتخابات، فإن دوائر التفكير السياسي الأمريكي تتابع تطورات كاراكاس بقلق متزايد.
وقالت الخبيرة الأمريكية في شؤون أمريكا اللاتينية الدكتورة إليزابيث فاولر، الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “واشنطن تدرك أن فنزويلا تبني بديلًا فعليًا للنفوذ الأمريكي في الجنوب العالمي، ليس فقط عبر علاقاتها مع روسيا أو الصين، بل أيضًا من خلال بناء تحالف ثقافي وشعبي مع أفريقيا، وهذا مقلق من منظور طويل الأمد.”
بدوره، علّق الصحفي الأمريكي جيمس هيرنانديز، المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية في Washington Examiner: “ما يحدث في فنزويلا ليس فقط إعادة تدوير لحكم مادورو، بل توسيع لمشروع إقليمي يتحدى فكرة النظام الليبرالي الغربي.
هذا ما يجعل الانتخابات الأخيرة مختلفة عن سابقاتها.”
من كاراكاس: مشروع بوليفاري يتجدّد في فنزويلا نفسها، يرى بعض المحللين أن ما يحدث يتجاوز الإنجاز الانتخابي، ويعكس بناء سياسة خارجية جديدة تقوم على “تحالف الجنوب الثقافي والاستراتيجي”.
وقال المفكر الفنزويلي فرناندو سانابريا، مدير مركز الدراسات البوليفارية في كاراكاس: “ما يجمعنا بأفريقيا ليس فقط التاريخ أو العبودية القديمة… بل النضال المشترك ضد التبعية الحديثة.
ولذلك فإن التحالف مع أفريقيا ليس تعويضًا عن الغرب، بل تصحيحًا لاتجاه التاريخ.
“نحو جنوب عالمي أكثر تماسكًا؟يُجمع العديد من المراقبين على أن المزج بين النصر الانتخابي والاحتفال بأفريقيا يعكس فلسفة فنزويلا في إدارة التحالفات الدولية.
فلسفة ترتكز على رواية جديدة: لم تعد الجغرافيا تقيّد السياسة، بل تُعيد تعريفها من منظور العدالة والندية.
فنزويلا الآن لا تتحدث فقط باسم نفسها، بل باسم “الجنوب الحيّ”، في مواجهة عالم تحكمه توازنات قوى غير عادلة.
وهذا — إن استمر وتطوّر — قد يُعيد رسم المشهد العالمي بطريقة تتجاوز الخطابات إلى الفعل.
لحظة ما بعد الغرب؟بين تحفّظ واشنطن واحتفاء أفريقيا، وبين خطاب السيادة في كاراكاس ومخاوف العواصم الغربية، تُفتح صفحة جديدة من السياسة الدولية، عنوانها: الجنوب يصنع تحالفاته، ويروي تاريخه بلسانه.
وربما يكون هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه العالم اليوم: هل يستمع لنبض الجنوب… أم يكرّر أخطاء الشمال ?