“حرب القِيم في نيويورك.. ممداني يُسقط أسطورة كومو ويشعل سباق العمدة بالنيران الباردة”

“حرب القِيم في نيويورك.. ممداني يُسقط أسطورة كومو ويشعل سباق العمدة بالنيران الباردة”

نيويورك

تحوّلت مناظرة الترشح لمنصب عمدة نيويورك إلى مواجهة سياسية غير مسبوقة بين المرشح التقدمي زوهران ممداني والحاكم السابق أندرو كومو، في مشهد وصفه المحللون الأمريكيون بأنه “صدام جيلين ورؤيتين لمستقبل المدينة”.


المناظرة، التي بثّتها القنوات المحلية وشهدت تفاعلاً واسعًا على شبكات التواصل، لم تكن مجرد تبادل لبرامج انتخابية بقدر ما كانت معركة رمزية على هوية نيويورك نفسها؛ بين رؤية شبابية تنادي بالعدالة الاجتماعية والتحول الأخضر، ورؤية تقليدية تستند إلى الخبرة الإدارية والانضباط المالي.

زوهران ممداني، النائب التقدمي الشاب من أصول مصرية هندية، دخل المناظرة بثقة لافتة، مستعينًا بخطاب شعبي يربط بين غلاء الإيجارات، أزمة المواصلات، وحقوق الطبقة العاملة، مؤكدًا أن “نيويورك لا تحتاج إلى حاكم جديد، بل إلى عقد اجتماعي جديد”.

هذا الخطاب، بحسب تحليل مجلة Time، منحه زخماً جماهيرياً غير مسبوق بين فئات الشباب والناشطين اليساريين الذين رأوا فيه “صوت المدينة الحقيقي بعد سنوات من التفاوت الطبقي”.

في المقابل، حاول أندرو كومو استعادة مجده السياسي المفقود بعد سنوات من الانسحاب الإجباري، مستعرضًا خبرته الطويلة في إدارة الملفات الكبرى، ومقدّمًا نفسه كخيار “واقعي ومنضبط” قادر على إعادة النظام إلى المدينة.

إلا أن محاولاته لم تسلم من هجمات ممداني الذي ذكّره بسلسلة من الفضائح والاتهامات السابقة التي أحاطت بعهده كمحافظ، ووجّه له سؤالاً صادماً:

“كيف يمكن لمن أدار الولاية بعقلية الجدران المغلقة أن يقود مدينة وُلدت من التنوّع؟”

هذا السؤال، كما وصفه المحلل السياسي جوناثان ألين في NBC News، أعاد تعريف المشهد السياسي في نيويورك، لأن ممداني لم يهاجم فقط خصمه، بل شكّك في فلسفة السلطة التي يمثلها كومو، ما جعل الأخير في موقف دفاعي طيلة المناظرة.

الصحفية إميلي تامكن من The Guardian أشارت إلى أن المواجهة كشفت أيضًا عن حساسية الهوية الثقافية في السياسة الأمريكية، خاصة بعد تداول لقطات معدّلة من حملات مؤيدة لكومو اتُّهمت بإيحاءات “إسلاموفوبية” ضد ممداني، وهو ما فجّر موجة تضامن واسعة معه على تويتر ومنصات الشباب.

أما المحلل إيلي ستوك من Axios فاعتبر أن ممداني “نجح في نقل الحوار من السياسة إلى القيم”، موضحًا أن الصراع لم يعد حول من يدير المدينة بشكل أفضل، بل حول أي نيويورك نريد أن نعيش فيها: مدينة مؤسسات ومصالح، أم مدينة عدالة وتنوّع. وأضاف أن أداء ممداني “ذكّر الأمريكيين ببرني ساندرز لكن بنَفَس محلي وحسّ إنساني أكثر جرأة”.

من جهته، رأى الخبير مايكل بلوم من CNN Politics أن كومو رغم ارتباكه في البداية “أظهر ثقة الرجل الذي يعرف دواليب الحكم”، مشيرًا إلى أن الناخبين الوسطيين ما زالوا يفضلون خبرته في الأمن والخدمات العامة، لكنهم مترددون بسبب الإرث السياسي الذي يحمله.

استطلاعات الرأي الأولية التي أعقبت المناظرة، بحسب شبكة NY1 News، أظهرت ارتفاع تأييد ممداني بـ12 نقطة بين الفئة العمرية 18–35، في حين حافظ كومو على تقدمه الطفيف بين الناخبين فوق الخمسين. هذه الأرقام، وفق تحليل Morning Consult، تعني أن السباق بات مفتوحًا على كل الاحتمالات، وأن المعركة الحقيقية ستُحسم في ميدان المنصات الرقمية والتبرعات الصغيرة أكثر من صناديق الاقتراع التقليدية.

ختامًا، يتفق معظم المحللين على أن مناظرة نيويورك الأخيرة كانت لحظة فاصلة في السياسة المحلية الأمريكية. ممداني، الذي دخل السباق كـ”صوت الهامش”، خرج منه كمشروع زعيم سياسي يحمل ملامح التغيير الجيلي في المدن الكبرى، فيما يحاول كومو إثبات أن التجربة لا تزال تتفوق على الحماس. وبين الاثنين، تقف نيويورك — المدينة التي لا تنام — متسائلة: هل حان وقت الثورة الهادئة، أم أن الحرس القديم سيُعيد ترتيب أوراق اللعبة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: