كتبت – رندة نبيل رفعت
شهد مجلس الأمن الدولي واحداً من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه الحديث، بعد أن اجتمع قادة العالم العربي والإسلامي مع قوى دولية مؤثرة، بينما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدد من الرؤساء في محاولة لصياغة مخرج سياسي للأزمة المستمرة في غزة.
غير أن المشهد سرعان ما اكتسب تعقيداً أكبر مع استمرار الغارات الإسرائيلية حتى أثناء انعقاد الجلسات، ما وضع علامات استفهام كبرى حول جدوى هذه التحركات وما إذا كانت واشنطن قادرة فعلاً على فرض تهدئة.
المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن بمشاركة ممثلين عن باقي الدول العربية والإسلامية، حمل لهجة حازمة تدعو لوقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، وفتح ممرات إنسانية عاجلة.
مصر كرّرت تمسّكها بدورها كوسيط إقليمي أساسي يضمن عدم انفلات الأوضاع على حدودها، فيما أكدت السعودية استعدادها لتوظيف ثقلها الدبلوماسي والاقتصادي لدعم أي اتفاق سلام شامل، أما الأردن فقد وجّه تحذيرات صريحة من أن استمرار العدوان يهدد استقرار المنطقة برمتها.
أما ترامب، فقد حاول أن يرسم صورة الوسيط الجاد، فشدّد على أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، واعتبر أن اتفاقاً قريباً قد يكون ممكناً إذا التزمت الأطراف.
لكن تصريحات الرئيس الأمريكي، وإن بدت حازمة، تظل في نظر كثير من الخبراء مجرد محاولة لشراء الوقت.
فالحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو محكومة بائتلاف يميني متشدد يرفض أي تنازلات، ما يثير شكوكا كبيرة حول مدى التزامها بأي تفاهم يتم التوصل إليه. بعض المحللين ذهبوا أبعد من ذلك ليتحدثوا عن احتمال وجود تفاهمات سرية بين واشنطن وتل أبيب، لكنها حتى الآن تظل في إطار التكهنات، إذ لم تظهر أي دلائل دامغة على اتفاق مكتوب أو ملزم.
خبراء السياسة الدولية يرون أن واشنطن تحاول تطبيق دبلوماسية الضغط المتدرج، عبر الجمع بين الحوافز الاقتصادية والتهديدات الدبلوماسية من أجل دفع إسرائيل نحو تهدئة، بينما يشدد الخبراء العسكريون على أن الواقع الميداني لا يزال يفرض نفسه، فالقصف المتواصل وسقوط الضحايا يجعل أي اتفاق هشاً وعرضة للانهيار ما لم تُنشأ آليات مراقبة وتنفيذ ميدانية، سواء عبر قوات دولية أو رقابة إقليمية.
وفي المقابل، يرى باحثون في الأمن الإقليمي أن استمرار المشهد الحالي قد يدفع بعض الدول إلى خطوات غير دبلوماسية، كقطع العلاقات أو دعم غير مباشر لفصائل مسلحة، وهو ما قد يوسع دائرة الصراع.
السيناريو الأقرب للتطبيق في المرحلة الراهنة يتمثل في اتفاق سياسي هش يقود إلى تهدئة جزئية، تسمح بفتح الممرات الإنسانية وربما إطلاق بعض الرهائن، لكن مع استمرار ضربات إسرائيلية محدودة بذريعة “الأهداف الأمنية”. السيناريو الأكثر تفاؤلاً يتمثل في وقف منظم طويل نسبياً، تشارك في ترتيباته قوى عربية ودولية، بينما يظل السيناريو الأسوأ هو فشل الجهود تماماً واندفاع المنطقة إلى مواجهة أوسع يصعب احتواؤها.
في موازاة هذه التحركات، جاءت ردود الفعل الشعبية والإعلامية لتعكس فجوة واسعة بين لغة القاعات الدبلوماسية وواقع الشارع العربي والإسلامي.
فقد استقبلت الجماهير بيانات وزراء الخارجية بتأييد حذر، معتبرة أن المواقف المعلنة تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها لا ترتقي إلى مستوى حجم المأساة الإنسانية المتصاعدة في غزة.
الصحف العربية ركّزت على لحظة انسحاب وفود دول عديدة عند بدء كلمة نتنياهو داخل الأمم المتحدة، واعتبرتها رسالة رمزية قوية تُظهر عزلة إسرائيل المتزايدة، فيما وصفها محللون غربيون بأنها “إشارة غير مسبوقة” على تصاعد الضغوط الدولية.
أما على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد انتشرت حملات تضامن واسعة مع غزة، وانتقدت في الوقت ذاته ما اعتبرته “ازدواجية” في مواقف بعض القوى الغربية التي تدعو للسلام بينما تغضّ الطرف عن استمرار القصف.
وفي المقابل، أشارت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية إلى أن ترامب يسعى لاستثمار الملف الفلسطيني كورقة سياسية في الداخل الأمريكي، مما أثار نقاشاً حول مدى صدقية التزامه بوقف التصعيد.
بهذا المشهد المزدوج، يظل الرأي العام لاعباً مؤثراً وضاغطاً على الحكومات، إذ يصعّب على العواصم العربية والإسلامية القبول بأي حلول منقوصة، ويضع إدارة ترامب أمام اختبار حقيقي بين خطابها المعلن وتحالفاتها التقليدية مع تل أبيب. وهكذا، فإن مستقبل الأزمة لن تحدده فقط طاولة المفاوضات في نيويورك، بل أيضاً أصوات الشارع وضغط الإعلام العالمي، ما يجعل الأيام المقبلة حاسمة في تحديد إن كان العالم يتجه إلى تسوية مؤقتة أو إلى فصل جديد من التصعيد الدموي.