في العاشر من سبتمبر الجاري تحولت جامعة يوتا فالي إلى مسرح مأساوي بعد اغتيال الناشط الأمريكي المحافظ تشارلي كيرك، مؤسس منظمة Turning Point USA وأحد أبرز الأصوات الداعمة للرئيس السابق دونالد ترامب.
كيرك، المعروف بخطابه الحاد ضد الهجرة وحقوق المثليين، كان يلقي كلمة عامة حين أطلق شاب يدعى تايلر روبنسون النار عليه ليرديه قتيلاً. التحقيقات الأولية كشفت عن رسالة تركها المشتبه فيه قال فيها: «لقد سئمت من كراهيته. بعض الكراهية لا يمكن التفاوض بشأنها». هذا النص أثار زوبعة من التأويلات، فيما أكدت عائلته أن روبنسون كان متأثراً بأفكار اليسار السياسي ويدافع عن قضايا مجتمعية مضادة لما يطرحه كيرك.
بعد أيام قليلة فقط، دخل الإعلامي الأمريكي الساخر جيمي كيميل على خط الأزمة عبر برنامجه Jimmy Kimmel Live!، حيث خصص فقرة للحديث عن الحادث. كيميل اتهم بشكل مباشر أنصار حركة MAGA الداعمة لترامب بمحاولة استغلال الواقعة سياسياً، بل وألمح إلى أن الخطاب الذي تبنته تلك الحركة ساهم في خلق بيئة سمحت بوقوع مثل هذه الجرائم.
حديثه جاء بصيغة ساخرة لكنها حملت اتهاماً صريحاً اعتبره المحافظون «افتراءً» وتشويهاً للحقيقة، خصوصاً في ظل ما كشفته التحقيقات من أن القاتل لم يكن من أنصار ترامب، بل أقرب إلى الجناح المقابل.
ردود الفعل على تصريحات كيميل كانت سريعة وحادة. أوساط يمينية وصفت كلامه بـ«المسيء وغير المسؤول» واتهمته بتأجيج الانقسام ونشر معلومات غير دقيقة، فيما سارع بعض السياسيين المحافظين إلى مطالبة لجنة الاتصالات الفيدرالية بالتحقيق في محتوى البرنامج.
الضغوط المتزايدة دفعت شبكة ABC، المالكة للبرنامج، إلى تعليق بثه مؤقتاً بعد أن رفضت عدة محطات تابعة لشركات كبرى مثل Nexstar إعادة إذاعة الحلقة المثيرة للجدل. خطوة التعليق فُسرت على أنها خضوع لضغوط سياسية، بينما رآها آخرون محاولة لتصحيح خطأ مهني نابع من إطلاق اتهامات دون سند كافٍ.
القضية لم تتوقف عند حدود الإعلام أو السياسة، بل فتحت باباً واسعاً للنقاش حول حرية التعبير في الولايات المتحدة. فبينما يعتبر البعض أن ما قاله كيميل يدخل ضمن حقه في النقد والتعليق، يرى آخرون أن مسؤولية الإعلامي تفرض التروي قبل إصدار أحكام قد تشوه سمعة أشخاص أو حركات سياسية. في المقابل، برزت أصوات تحذر من أن تعليق البرنامج قد يشكل سابقة خطيرة تمنح السلطات السياسية والإعلامية سلطة أوسع على تقييد ما يمكن بثه للجمهور.
الأخطر من كل ذلك أن مقتل كيرك تحوّل من مأساة إنسانية إلى وقود في معركة سياسية وإعلامية مفتوحة. كل طرف وظف الحادثة لخدمة أجندته: المحافظون سعوا إلى تصويرها كدليل على عنف اليسار، فيما رأى خصومهم أن الخطاب اليميني هو من أطلق شرارة الكراهية. وبين هذا وذاك، غابت تفاصيل القضية الجنائية نفسها وسط ضجيج السجالات، بينما الحقيقة لا تزال عالقة بين روايات متناقضة وتحقيقات لم تصل بعد إلى نهايتها.