“قصف مستشفى ناصر: حين تتحول غرف العلاج إلى ساحات حرب ويهتز ميزان الشرق الأوسط”

“قصف مستشفى ناصر: حين تتحول غرف العلاج إلى ساحات حرب ويهتز ميزان الشرق الأوسط”


كتبت – رندة نبيل رفعت

مأساة إنسانية تتجاوز الأرقام

الضربة الجوية التي استهدفت مستشفى ناصر في خان يونس لم تكن مجرد رقم جديد يضاف إلى حصيلة الحرب في غزة. المشاهد التي تواترت من هناك ـ صرخات الأطفال، أشلاء الصحفيين، وعجز سيارات الإسعاف عن اللحاق بالموت المتسارع ـ رسمت لوحة تتجاوز حدود الحرب التقليدية.

عشرون قتيلاً بينهم خمسة صحفيين سقطوا في لحظة واحدة، لتتحول المؤسسة الطبية التي كان يفترض أن تكون ملاذاً آمناً إلى شاهد على واحدة من أبشع صور انتهاك القانون الإنساني.

ردود الفعل: بين إدانة باردة وندم ملتبس

الأمم المتحدة وبريطانيا وفرنسا أصدرت بيانات إدانة، لكن لغة الدبلوماسية بدت أقل من فداحة المأساة. إسرائيل، من جانبها، اكتفت ببيان مقتضب عبرت فيه عن “الندم”، معلنة فتح تحقيق، لكنها في الوقت نفسه أعادت إنتاج مبرراتها القديمة: “حماس تستخدم المستشفيات كدروع بشرية”.

غياب الأدلة الملموسة على هذه الادعاءات يضع التساؤلات حول ما إذا كان “التحقيق” محاولة لامتصاص الغضب الدولي أم مراجعة حقيقية للسياسات العسكرية.

ما بين “كسر الإرادة” و”الانتحار الاستراتيجي”

المحللون العسكريون انقسموا حول دوافع الضربة:

  • فريق يرى أن إسرائيل تعمل بمنطق “تدمير البنية التحتية الحيوية” لإضعاف قدرة حماس على الصمود، حتى لو جاء الثمن على حساب المدنيين.

  • فريق آخر حذّر من أن هذا النمط قد يكون انتحاراً استراتيجياً؛ إذ يفاقم الكراهية، ويؤجج المقاومة، ويضع الجيش الإسرائيلي أمام استنزاف طويل الأمد.


أحد الجنرالات المتقاعدين في تل أبيب لخص المعضلة قائلاً: “نحن نقصف اليوم المستشفيات، وغداً قد نجد أنفسنا نقاتل في دهاليزها بلا نهاية.”

البعد المصري: سيناء على خط النار

في القاهرة، رصدت أجهزة الأمن تحركات غير عادية. تقارير ميدانية تشير إلى تعزيزات عسكرية مكثفة في شمال سيناء، هدفها إغلاق أي ثغرة يمكن أن تستغلها جماعات مسلحة للهروب من غزة أو تهديد قناة السويس.


مصادر سياسية مصرية رفيعة تحدثت عن “معادلة دقيقة” بين التنسيق الأمني مع إسرائيل للحفاظ على الاستقرار، وبين رفض القاهرة العلني لأي مشروع تهجير للفلسطينيين نحو سيناء. هكذا تحولت سيناء من جبهة مكافحة الإرهاب المحلي إلى حاجز استراتيجي إقليمي.

آفاق المشهد: نحو حرب بلا أفق؟

إذا استمر هذا النمط من الاستهداف، فإن غزة مقبلة على موجات نزوح قسرية وانهيار إنساني، بينما تدخل إسرائيل في دوامة “حرب أبدية” بلا حسم عسكري ولا حل سياسي.


المحلل السياسي الأمريكي “جورج فريدمان” حذر في مقال أخير من أن “القصف العشوائي للمؤسسات المدنية لن يسحق حماس، بل سيضع إسرائيل في مواجهة أوسع مع المجتمع الدولي ومع شعوب المنطقة.”

القصف على مستشفى ناصر لم يكن مجرد حادثة مأساوية، بل نقطة انعطاف تعكس عمق الأزمة:

إسرائيل غارقة بين منطق القوة العمياء وبين إدراكها أن القوة وحدها لا تحسم الصراعات، بينما الإقليم كله ـ من سيناء إلى بيروت ـ يقترب أكثر من حافة انفجار يصعب السيطرة عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: